أمستردام – بعد تأمل بصري مطول في مشاهد من الكهوف والأنفاق، قد تبدو للوهلة الأولى غير مرتبطة، وجدت نفسي أستمع بانتباه إلى قصة فيلم وثائقي مؤثر. الفيلم، الذي عُرض في مهرجان إدفا للأفلام الوثائقية بالعاصمة الهولندية، يتناول مأساة إنسانية عميقة حدثت في كهوف أوكيناوا خلال الحرب العالمية الثانية، وكيف تحولت هذه الملاجئ إلى مقابر جماعية لآلاف المدنيين اليابانيين، مما أثار نقاشًا حول الذاكرة الجماعية و**الحرب في اليابان**.
الفيلم لا يقتصر على سرد الأحداث التاريخية، بل يسعى لاستكشاف أعمق تأثيرات الحرب على الروح اليابانية. من خلال روايات الناجين والتركيز على الأماكن التي شهدت هذه المآسي، يطرح الفيلم أسئلة جوهرية حول التضحية والذاكرة والبحث عن الحقيقة. تتبع المخرجة كاوري أودا قصة امرأة تبحث عن بلدة غارقة تحت مياه بحيرة اصطناعية، لتتحول الرحلة إلى استكشاف أوسع للأماكن الخفية والمكبوتة في الذاكرة الجمعية.
شهود المأساة وتأثيرها على الذاكرة اليابانية
عبر إحياء روايات الناجين، يساهم الفيلم في نقاش حول **الحرب العالمية الثانية** في الوجدان الياباني. الفيلم يوثق قصص انتحارات جماعية قسرية حدثت داخل كهوف أوكيناوا، حيث لجأ آلاف المدنيين اليابانيين هربًا من القوات الأمريكية. يصور الفيلم كيف أن الضغط النفسي الذي مارسته السلطات والمجتمع أجبر العديد من المدنيين على إنهاء حياتهم بدلًا من الاستسلام.
أحد الكهوف، المعروف باسم “تشيبيتشيري غاما”، شهد موت ما يزيد عن 80 شخصًا من المدنيين في حادثة انتحار جماعي مأساوية. يكشف الفيلم عن أن هذه المصائر لم تكن حتمية، وأنها كانت نتيجة لظروف قاسية وعوامل نفسية واجتماعية معقدة. هذا الجانب من التاريخ، وإن كان مؤلمًا، يعتبر ضروريًا لفهم التراث الثقافي والنفسي لليابان.
جماليات الظلمات واستكشاف الذاكرة المكبوتة
يتميز الفيلم بأسلوبه السينمائي الفريد، حيث يعتمد على التباين بين الضوء والظلام لخلق جو من الغموض والتوتر. تنتقل الكاميرا بين أنفاق إسمنتية مهجورة وكهوف طبيعية، وتستخدم الظلال والانعكاسات لإبراز المشاعر والأفكار الكامنة. هذه الجماليات البصرية تعزز من تأثير الفيلم وتجعله تجربة سينمائية لا تُنسى.
لا يتبع الفيلم حبكة تقليدية، بل ينساب مع تدفق حر للأحداث والصور. تتداخل الأزمنة، وتتساقط المشاهد الأرشيفية فوق المشاهد الحاضرة، مما يخلق شعورًا بالارتباط بين الماضي والحاضر. هذه التقنية تساهم في إبراز فكرة أن الماضي لا يزال حيًا في الحاضر، وأن أشباحه تتربص في الأماكن الخفية والمظلمة.
السدود والتقدم: ثمن التنمية
يتطرق الفيلم إلى موضوع السدود وتأثيرها على المجتمعات المحلية. يشير إلى أن بناء السدود، على الرغم من فوائده في توفير الكهرباء والري، قد أدى إلى تدمير قرى وبلدات بأكملها، وإلى فقدان التراث والهوية المحلية. هذه النقطة تثير تساؤلات حول الثمن الذي تدفعه المجتمعات في سبيل التقدم والتنمية. تظهر هذه القصة كجزء أكبر من قضية **التراث المفقود** بسبب التوسع الحضري.
إن اختفاء البلدات تحت مياه البحيرات الاصطناعية يمثل رمزًا لفقدان الذاكرة الجماعية. الفيلم يدعو إلى تذكر هذه المآسي والاعتراف بها، وإلى الحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي. ويركز الفيلم على صمود الذاكرة في وجه النسيان، وكيف يمكن للفن السينمائي أن يلعب دورًا حيويًا في الحفاظ على الماضي.
من المتوقع أن يشعل الفيلم نقاشات واسعة في الأوساط الثقافية والسياسية حول **التأثيرات طويلة المدى للحرب**. قد يؤدي ذلك إلى إعادة النظر في بعض الروايات التاريخية وإلى تقديم تعويضات للناجين وعائلات الضحايا. يُنتظر أن يقدم الفيلم بدورها مادة دسمة للنقاد والباحثين المتخصصين في دراسة الذاكرة الجماعية وتأثيرات الكوارث الطبيعية والبشرية.













