دمشق – تتزايد التساؤلات حول مدى تحقق الحريات في سوريا بعد مرور عام على إعلان الحكومة انتهاء الأزمة، وتعتبر الحريات الإعلامية والمدنية والثقافية والسياسية مؤشرات أساسية لتقييم مدى استقرار الوضع والانتقال نحو مرحلة جديدة. فهل شهدت سوريا بالفعل تحسناً ملموساً في هذه المجالات، وما هي التحديات التي لا تزال تواجهها في طريق بناء مجتمع ديمقراطي؟
يواجه السوريون اليوم واقعاً معقداً يتطلب تقييماً دقيقاً لمستوى الحريات المتاحة. بعد سنوات من القيود الصارمة، بدأت تظهر بوادر انفتاح، لكنها لا تزال محدودة وغير مستقرة. وتعتبر حرية التعبير والعمل المدني من أهم ركائز أي مجتمع يسعى إلى التطور والازدهار، وهما ما طالما افتقده السوريون.
واقع الحريات الإعلامية في سوريا
يشير مراقبون إلى أن المشهد الإعلامي في سوريا شهد تطورات لافتة منذ عام 2024، حيث تم تسهيل حصول العديد من الوكالات ووسائل الإعلام العربية والأجنبية على تراخيص للعمل داخل البلاد. ويعزو البعض هذا التطور إلى الرغبة في تحسين صورة سوريا على الصعيد الدولي، وتقديمها كدولة تسعى إلى الانفتاح والحوار.
يقول الصحفي السوري أحمد بريمو، مؤسس منصة “تأكد”، إن هناك تقدماً واضحاً في مستوى الحريات الإعلامية، وأن البلاد لم تشهد وضعاً مشابهاً منذ عقود. وأضاف أن هذا التحسن مرتبط بانتفاضة السوريين عام 2011، والتي أظهرت إصرارهم على التغيير والتعبير عن آرائهم بحرية. ومع ذلك، يؤكد بريمو على ضرورة وجود ضوابط قانونية واضحة لحماية هذه الحريات، ومنع أي تراجع في المستقبل.
وتشير تقارير إلى أن منظمة مراسلون بلا حدود قد صنفت سوريا في المرتبة 177 من أصل 180 على سلم حرية الصحافة لعام 2025. ويعكس هذا التصنيف التحديات التي لا تزال تواجه الصحفيين والإعلاميين في سوريا، بما في ذلك التهديدات والمضايقات التي يتعرضون لها، وغياب الاستقلالية والحيادية في بعض المؤسسات الإعلامية.
العمل المدني والتحديات التي تواجهه
يعتبر العمل المدني ركيزة أساسية في بناء مجتمع قوي ومستقر. ويرى واصل حمادة، أحد مؤسسي مبادرة “خيم الحقيقة”، أن العمل المدني في سوريا يخطو خطواته الأولى، وأن الطريق لا يزال صعباً. وأضاف أن هذا المجال كان يخضع لرقابة شديدة خلال عقود، وأن معظم مؤسساته كانت مرتبطة بالنظام السابق.
ويواجه المجتمع المدني في سوريا العديد من التحديات، بما في ذلك نقص التمويل، وغياب الخبرة، والقيود القانونية والإدارية. بالإضافة إلى ذلك، يواجه المجتمع المدني تحديات تتعلق بالثقة والشفافية، حيث يرى البعض أن بعض المنظمات المدنية تعمل لصالح أجندات سياسية معينة.
ومع ذلك، يشير حمادة إلى أن هناك خطوات إيجابية نحو تعزيز العمل المدني، مثل السماح بتأسيس منظمات جديدة، وتسهيل إجراءات التسجيل، وتوفير بعض الدعم المالي والتقني. لكنه يؤكد على أن هذه الخطوات لا تكفي، وأن هناك حاجة إلى المزيد من الجهود لتمكين المجتمع المدني من القيام بدوره بشكل فعال.
توسيع الحريات السياسية والحاجة إلى قوانين جديدة
يشهد المشهد السياسي في سوريا تحولات ملحوظة منذ عام 2024، حيث بدأت تظهر أحزاب وحركات سياسية جديدة. ويؤكد المراقبون على أهمية توسيع الحريات السياسية، والسماح للمعارضة بالعمل بشكل علني وقانوني. ويعتبر صدور قانون جديد للأحزاب من أهم الخطوات في هذا الاتجاه.
يرى أمين عام الحركة الوطنية السورية، زكريا ملاحفجي، أن المشهد السياسي ينتقل من الاستبداد الصلب إلى حالة من الانفتاح، لكنه يفتقر إلى الضمانات القانونية التي تجعل هذه الحريات دائمة ومؤطرة. وأضاف أن هناك حاجة إلى وضع إطار دستوري نهائي يحدد شكل النظام السياسي، ويفصل السلطات، ويضمن حقوق المشاركة.
ويشدد ملاحفجي على أهمية تعزيز الثقافة السياسية والمواطنة، من خلال برامج تعليمية وورش عمل ومنصات إعلامية. كما يؤكد على ضرورة ضمان استقلال القضاء، باعتباره الحامي الأخير للحقوق السياسية.
في الختام، يظل مستقبل الحريات في سوريا غير واضحاً، ويتوقف على العديد من العوامل، بما في ذلك الإرادة السياسية للحكومة، وقوة المعارضة، والمستوى العام للاستقرار والأمن. ومن المتوقع أن يشهد الأشهر القادمة نقاشات مكثفة حول صياغة دستور جديد، وسن قوانين جديدة، وتشكيل حكومة وطنية تمثل جميع السوريين. ويتطلب تحقيق الاستقرار والازدهار مراقبة دقيقة لتطورات هذه القضايا، وتقييم مدى التزام الحكومة بتطبيق الإصلاحات اللازمة.













