في إطار جهودها للحفاظ على الهوية الثقافية والتاريخية، تطلق بلدية الفاتح في إسطنبول مشروعًا واسع النطاق لإعادة ترميم وإحياء المساجد والمعالم الأثرية القديمة. يهدف هذا المشروع الطموح إلى استعادة “الذاكرة الثقافية الضائعة” للمنطقة، وفقًا لرئيس البلدية محمد أرغون طوران، وذلك من خلال إعادة إحياء المواقع التي تدهورت أو هُدمت على مر العقود. يشمل المشروع جوانب متعددة من الترميم الحضري، مع التركيز على الحفاظ على التراث الإسلامي.
وأكد طوران أن المشروع يمثل جزءًا من خطة شاملة لإعادة إحياء التراث الثقافي في الفاتح، مشيرًا إلى أن العمل يجري تحت إشراف “مديرية حماية التراث الثقافي” التي أنشأتها البلدية. لا يقتصر الأمر على الإصلاحات المادية، بل يمتد ليشمل الحفاظ على الهوية الثقافية ونقل الإرث التاريخي إلى الأجيال القادمة. ويعتبر هذا الجهد استثمارًا في السياحة الثقافية وتعزيز مكانة إسطنبول كمركز تاريخي عالمي.
مشروع ترميم المساجد التاريخية في الفاتح
يشمل المشروع ترميم وإعادة تأهيل العديد من المساجد والتكايا والنوافير التاريخية التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من الهوية التاريخية لإسطنبول. وتشير البلدية إلى أن هذه المعالم ليست مجرد مبانٍ قديمة، بل هي رموز ثقافية ودينية تعكس تاريخًا غنيًا وعريقًا. ويعتمد المشروع على دراسات معماريّة دقيقة لضمان الحفاظ على الطابع الأصيل لهذه المواقع.
وبحسب مسؤولين في البلدية، فإن عملية الترميم تتضمن مسحًا بنائيًا شاملاً للأثر، وإعداد رسومات هندسية دقيقة، ودراسات متخصصة لإعادة الأصل وإعادة البناء بما يتناسب مع القيمة التاريخية لكل معلم. يتم تنفيذ هذه الدراسات بالتعاون مع خبراء في مجال الترميم والتراث الثقافي، لضمان أعلى معايير الجودة والدقة.
أهمية المعالم الأثرية في الفاتح
تتميز منطقة الفاتح بثرائها بالمعالم الأثرية الهامة، بما في ذلك قصر طوب قابي، وآيا صوفيا، ومسجد السلطان أحمد، ومسجد بايزيد. بالإضافة إلى هذه المعالم الرئيسية، تضم المنطقة العديد من المساجد الصغيرة والآثار المتنوعة، مثل النوافير والكتاتيب والمباني الخشبية القديمة. وتشكل هذه المعالم مجتمعة نسيجًا تاريخيًا فريدًا يعكس التنوع الثقافي والاجتماعي لإسطنبول.
وتشير التقديرات إلى وجود حوالي 12 ألف معلم ثقافي مسجل في منطقة الفاتح، مما يجعلها واحدة من أغنى المناطق الأثرية في تركيا. وتواجه هذه المعالم تحديات كبيرة بسبب التقادم والعوامل الجوية والأنشطة البشرية، مما يستدعي تدخلًا عاجلاً للحفاظ عليها.
وأوضح رئيس بلدية الفاتح أن العديد من المساجد والنوافير التاريخية في إسطنبول فُقدت على مر السنين بسبب الزلازل والحرائق، وبعضها هدم من أجل تشييد بعض الطرق في الخمسينيات. وأضاف أن الخرائط التاريخية والصور القديمة تساعد في تحديد أماكن هذه الآثار وإعادة بنائها وفقًا لشكلها الأصلي. ويعتمد المشروع بشكل كبير على التبرعات من الأفراد والمؤسسات، دون استخدام تمويل من خزانة الدولة.
حتى الآن، تم الانتهاء من ترميم 6 مساجد تاريخية كجزء من المشروع، ويجري العمل حاليًا على 125 مسجدًا آخر. ويعتبر مسجد “أبو الفتح”، الذي يعود تاريخه إلى عام 1460، من بين المعالم التي تم ترميمها مؤخرًا. وتشير البلدية إلى أن هذه المشروعات لاقت اهتمامًا دوليًا، وأن العديد من الدول تتابع عمليات الترميم في الفاتح باهتمام كبير.
وتؤكد بلدية الفاتح أن هذا المشروع يمثل التزامًا راسخًا بالحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي للمدينة، وتعزيز مكانتها كمركز سياحي وثقافي عالمي. وتتوقع البلدية أن يساهم المشروع في جذب المزيد من السياح وتعزيز الاقتصاد المحلي، بالإضافة إلى تعزيز الشعور بالفخر والانتماء لدى السكان المحليين.
من المتوقع أن تستمر أعمال الترميم وإعادة الإحياء في الفاتح لعدة سنوات قادمة، مع التركيز على إنجاز ترميم 125 مسجدًا بحلول نهاية عام 2026. وستراقب البلدية عن كثب التقدم المحرز في المشروع، وستعمل على معالجة أي تحديات أو عقبات قد تعترض طريقه. كما ستواصل البحث عن مصادر تمويل إضافية لضمان استدامة المشروع على المدى الطويل.













