طور باحثون أمريكيون تقنية جديدة تعتمد على تحرير الجينات، وتحديدًا تقنية كريسبر، بهدف استعادة فعالية العلاج الكيميائي في حالات سرطان الرئة المقاوم. تستهدف هذه التقنية جينًا معينًا مسؤولًا عن تطوير مقاومة الخلايا السرطانية للعلاج، مما يفتح آفاقًا جديدة لتحسين نتائج العلاج للمرضى الذين لم يعد العلاج الكيميائي فعالاً بالنسبة لهم.
استهداف مقاومة العلاج الكيميائي في سرطان الرئة
نُشرت نتائج هذه الدراسة الهامة في دورية “موليكولار ثيرابي أونكولوجي” (Molecular Therapy Oncology)، وتوضح كيف يمكن لتقنية كريسبر أن تعيد حساسية خلايا سرطان الرئة للأدوية الكيميائية. تعتبر مقاومة العلاج الكيميائي تحديًا كبيرًا في علاج العديد من أنواع السرطان، بما في ذلك سرطان الرئة، حيث تتوقف الأدوية عن العمل بفعالية مع مرور الوقت.
وفقًا للباحثين في معهد تحرير الجينات التابع لمستشفى “كريستيانا كير”، فإن الجين “إن آر إف 2” (NRF2) يلعب دورًا حاسمًا في تطوير هذه المقاومة. يعمل هذا الجين كنوع من آلية الدفاع داخل الخلايا السرطانية، مما يسمح لها بالبقاء على قيد الحياة حتى في وجود الأدوية السامة. من خلال تعطيل هذا الجين، تمكن الباحثون من جعل الخلايا السرطانية أكثر عرضة للتلف الناتج عن العلاج الكيميائي.
تحديد الطفرة الرئيسية وتعطيل الجين
ركزت الدراسة على طفرة محددة في جين “إن آر إف 2” (NRF2) تحمل الاسم “آر 34 جي” (R34G). أظهرت التجارب أن هذه الطفرة تزيد بشكل كبير من قدرة الخلايا السرطانية على مقاومة العلاجات القياسية مثل كاربوبلاتين وباكليتاكسيل. باستخدام تقنية كريسبر، تمكن الفريق من استهداف هذه الطفرة وتعطيل الجين بشكل فعال.
أظهرت النتائج المعملية تحسنًا ملحوظًا في استجابة الخلايا السرطانية للعلاج الكيميائي بعد تعطيل الجين. حتى تعديل نسبة صغيرة فقط من الخلايا السرطانية، تتراوح بين 20% و 40%، كان كافيًا لتحسين استجابة العلاج وتقليل نمو الورم. هذه النتيجة مهمة بشكل خاص لأن استهداف جميع الخلايا السرطانية في الورم يمثل تحديًا كبيرًا.
تعتبر تقنية كريسبر ثورة في مجال تحرير الجينات، حيث تسمح للعلماء بإجراء تغييرات دقيقة في الحمض النووي للكائنات الحية. وقد أثارت هذه التقنية آمالًا كبيرة في علاج مجموعة واسعة من الأمراض الوراثية والسرطانات. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات تقنية وأخلاقية يجب معالجتها قبل أن تتمكن هذه التقنية من الوصول إلى الاستخدام السريري الواسع النطاق.
بالإضافة إلى ذلك، تشير الأبحاث الحديثة إلى أهمية العلاج المناعي للسرطان كخيار علاجي فعال، خاصة في الحالات التي لا يستجيب فيها الورم للعلاج الكيميائي. قد يكون الجمع بين تقنية كريسبر والعلاج المناعي وسيلة واعدة لتعزيز الاستجابة المناعية ضد الخلايا السرطانية وتحقيق نتائج علاجية أفضل.
تُظهر هذه الدراسة إمكانية استخدام تقنية كريسبر للتغلب على مقاومة الأدوية في سرطان الرئة، وهو ما يمثل تقدمًا كبيرًا في مجال علاج الأورام. ومع ذلك، من المهم التأكيد على أن هذه النتائج لا تزال أولية وتتطلب المزيد من البحث والتطوير قبل أن تتمكن من تطبيقها على نطاق واسع في العيادات.
من المتوقع أن ينتقل الفريق البحثي إلى إجراء تجارب سريرية محدودة لتقييم سلامة وفعالية هذه التقنية في المرضى المصابين بسرطان الرئة المقاوم للعلاج. من المرجح أن تبدأ هذه التجارب في غضون عامين، وستركز على تقييم ما إذا كان تعطيل جين “إن آر إف 2” يمكن أن يحسن نتائج العلاج لدى المرضى. سيكون من المهم مراقبة هذه التجارب عن كثب لتقييم إمكانات هذه التقنية الجديدة في تغيير مسار سرطان الرئة.
تعتبر هذه التطورات جزءًا من جهود عالمية متزايدة لتطوير علاجات أكثر فعالية للسرطان، بما في ذلك علاجات تستهدف الجينات المحددة المسؤولة عن نمو الورم ومقاومته للعلاج. من المتوقع أن تستمر الأبحاث في هذا المجال بوتيرة سريعة في السنوات القادمة، مما قد يؤدي إلى اكتشافات جديدة تغير طريقة علاجنا للسرطان.













