القدس المحتلة – تواجه قرية رأس جرابة البدوية في النقب جنوب فلسطين مرحلة حرجة بعد مصادقة المحكمة العليا الإسرائيلية على قرار بإخلاء القرية وتهجير سكانها البالغ عددهم 500 نسمة خلال 90 يومًا. ويُعد هذا القرار تصعيدًا كبيرًا في الصراع الدائر حول مستقبل القرى البدوية في النقب، ويثير مخاوف واسعة النطاق من موجة تهجير قسري محتملة. تهجير رأس جرابة يفتح الباب لتنفيذ خطط أوسع نطاقًا تستهدف مجتمعات بدوية أخرى في المنطقة.
القرار القضائي، الذي تم رفض الاستئناف عليه، يسمح بتنفيذ مخطط يهدد بتدمير 39 قرية بدوية غير معترف بها من قبل السلطات الإسرائيلية، على الرغم من وجودها قبل قيام الدولة عام 1948. ويواجه ما يقارب 150 ألف فلسطيني بدوي خطر التهجير ومصادرة حوالي 800 ألف دونم من أراضيهم. ووفقًا لتقديرات، فإن هذا القرار يشكل تهديدًا وجوديًا لنمط حياة مجتمعات بأكملها.
معركة وجودية وشرعنة التهجير
أثار الحكم موجة غضب واستنكار واسعة النطاق. وصف مركز “عدالة” لحقوق الإنسان القرار بأنه يمنح “شرعية قضائية لنظام الأبارتهايد (الفصل العنصري)” ويُرسخ سياساته في النقب. وأشار المركز إلى أن هذا الإجراء هو استمرار لنهج طويل الأمد يهدف إلى اقتلاع القرى البدوية من أراضيها. ويؤكد المراقبون أن هذا القرار يُعقد الوضع القانوني للقرى البدوية ويزيد من صعوبة حصولها على الاعتراف بحقوقها في الأرض.
يخوض الشيخ فريج الهواشلة، وهو أحد أبناء رأس جرابة ويبلغ من العمر 90 عامًا، معركة من أجل البقاء ضد خطط التهجير. ويتحدث عن ذكرياته في الأرض، مؤكدًا على تمسك أهالي القرية بأرضهم رغم كل المحاولات السابقة للاقتلاع. ويعود الهواشلة بذاكرته إلى النكبة عام 1948، ويتذكر كيف فرت العائلات من المنطقة خوفًا من الحرب.
وبعد النكبة، اختار الهواشلة وأسرته البقاء في أرضهم، وعملوا على فلاحة الأرض وتربية المواشي، على الرغم من التحديات والصعوبات. وقد حصلوا على تعهد خطي من الحاكم العسكري الإسرائيلي بعدم التعرض لهم والاعتراف بملكية أراضيهم. ومع ذلك، يرى الهواشلة أن هذا التعهد لم يكن سوى ورقة تلاعب بها الإسرائيليون، حيث استمروا في مصادرة الأراضي وتقييد حركة السكان.
توسع المستوطنات وتأثيره على البدو
أدى تأسيس مدينة ديمونا إلى زيادة الضغط على المجتمعات البدوية في المنطقة، حيث تم بناء المدينة على أراضٍ كانت تابعة لعشيرة الهواشلة. ويقول الهواشلة إن الإسرائيليين منحوا سكان ديمونا الأولوية على حقوق البدو في الأرض، مما أدى إلى تضييق الخناق على المجتمعات البدوية وتهميشها. وتشير التقارير إلى أن التوسع المستمر للمستوطنات يهدد بتقويض سبل عيش البدو التقليدية وزيادة معاناتهم.
يؤكد السكان أنهم لن يغادروا أرضهم طواعية، وأنهم مستعدون للدفاع عن حقهم في البقاء حتى لو كلفهم ذلك حياتهم. ويرفضون أي حلول بديلة لا تتضمن الاعتراف بقريتهم وحقوقهم في الأرض. وقد عبّروا عن استيائهم من عدم وجود دعم كافٍ من المجتمع الدولي لقضيتهم.
التهجير الإستراتيجي ومخاطر التصعيد
يجري تصوير قرار تهجير رأس جرابة على أنه جزء من سياسة أوسع تهدف إلى “تهجير استراتيجي” للقرى العربية غير المعترف بها في النقب. ويرى المراقبون أن هذه السياسة تهدف إلى إفساح المجال أمام مشاريع استيطانية وتهويدية في المنطقة. أفاد رئيس المجلس الإقليمي للقرى مسلوبة الاعتراف، عطية الأعسم، بأن السلطات الإسرائيلية تسعى إلى حصر العرب في أقل قدر ممكن من الأراضي، وتوزيع اليهود على مساحات واسعة.
ويشير الأعسم إلى أن هذه السياسة تشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وحقوق الإنسان. ويقول إنها تهدف إلى تغيير التركيبة السكانية في النقب وتقويض الهوية العربية للمنطقة. ويؤكد أن هذا التطور يهدد بزعزعة الاستقرار في المنطقة وزيادة التوترات.
يقول المحامي حسن جبارين، مدير مركز “عدالة”، إن قرار المحكمة العليا يمثل انحدارًا في المسار القضائي و”منحًا لشرعية لنظام الفصل العنصري”. ويضيف أن القرار يضعف الحماية القانونية للمجتمعات البدوية ويزيد من خطر تهجيرهم القسري. ويرى جبارين أن القرار يجب أن يدفع المجتمع الدولي إلى التدخل لحماية حقوق البدو وضمان عدم تعرضهم للتهجير.
من المتوقع أن يبدأ تنفيذ قرار الإخلاء خلال 90 يومًا. وينتظر السكان رفع استئناف آخر للمحكمة العليا، لكن الآمال في نجاح هذا الاستئناف ضئيلة. ويراقب المراقبون عن كثب التطورات في رأس جرابة، ويخشون من أن يؤدي الإخلاء إلى تصعيد العنف والتوترات في النقب. سيظل الوضع قابلاً للتطور، ويجب متابعة ردود الفعل المحلية والدولية لتطورات القضية.













