القدس المحتلة – مع دخول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أسبوعها السابع، يخوض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو صراعات خفية بشأن مستقبله السياسي، وسط استمرار تراجع شعبيته وانهيار القوة الانتخابية لحزب الليكود الذي يتزعمه، ومواصلة إغلاق الدائرة من حوله، وتعزيز الأدلة التي تتهمه بالفشل والإخفاق في منع معركة “طوفان الأقصى”.
وفي معركة أخرى تعكس ملامح الصراعات الداخلية التي يخوضها نتنياهو، تؤكد استطلاعات الرأي مؤخرا استمرار تعاظم شعبية رئيس “المعسكر الوطني” بيني غانتس، وتعاظم القوة الانتخابية لأحزاب المعارضة التي تمنحها استطلاعات الرأي تشكيل الحكومة المقبلة إذا أجريت انتخابات مبكرة للكنيست.
ووفقا لنتائج الاستطلاع، فإن الفجوة بين أحزاب المعارضة والائتلاف تتسع منذ بدء الحرب على غزة، إذ حصلت أحزاب المعارضة مع “المعسكر الوطني” على 78 مقعدا، في حين حصلت أحزاب ائتلاف حكومة نتنياهو -التي لديها 64 مقعدا- على 42 مقعدا.
وخلافا لما كان سائدا قبل الحرب على غزة، حيث كان يلقب نتنياهو بـ”ملك إسرائيل” ويحظى بأغلبية ساحقة في استطلاعات الرأي التي تؤيد توليه منصب رئاسة الوزراء، أظهر الاستطلاع الجديد أن 29% فقط ممن شاركوا فيه يعتقدون أن نتنياهو هو الأنسب لتولي المنصب.
ويزاحم نتنياهو في الاستطلاع غانتس بحصوله على تأييد 50% ممن شاركوا في الاستطلاع، إذ قالوا إنه الأنسب لتولي منصب رئاسة الوزراء، في حين قال 21% إنهم لا يعرفون من الأنسب لهذا المنصب.
تحديات وصراعات
وبجانب التحديات التي يواجها نتنياهو في إدارة الحرب على غزة على عكس الآخرين، فهو لديه تضارب في المصالح التي تتعلق بسير الحرب وأهدافها، سواء بتقويض حكم حماس أو تحرير المحتجزين الإسرائيليين، ومستقبله السياسي، والبقاء على كرسي رئاسة الوزراء، وإلغاء محاكمته بملفات فساد، حيث تذهب معظم التحليلات داخل إسرائيل إلى أن نتنياهو منحاز لكرسي رئاسة الوزراء.
يبدو أن الصراع الجديد الذي سيخوضه نتنياهو سيكون في ملف الفشل والإخفاق الاستخباراتي بمنع حصول “طوفان الأقصى”، فقد علمت صحيفة “هآرتس” أن أحد كبار أعضاء الليكود يحاول جمع مواد من شأنها أن تلقي ضوءا سلبيا على رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) أهارون حاليفا.
ولا تتوقف صراعات نتنياهو الداخلية عند قادة الاستخبارات العسكرية، بل إن رئيس هيئة أركان الجيش هرتسي هاليفي ورئيس جهاز الشاباك رونين بار في دائرة الاستهداف أيضا.
مسؤولية وتنصل
وتعليقا على ذلك، يعتقد الصحفي غادي فايتس أن نتنياهو يعتزم أن يفعل برؤساء الأجهزة الأمنية والعسكرية ما فعله بالمحققين والمدعين العامين في ملفات الفساد التي يحاكم بها، حيث شكك في مهنتيهم وقدراتهم، وحمّلهم مسؤولية تقديمه للمحاكمة لدوافع سياسية، لكنه في أحداث “طوفان الأقصى” سيواجه صعوبة في تحميل القادة العسكريين والأمنيين مسؤولية الفشل والإخفاق.
وكشف فايتس الذي يشغل منصب رئيس قسم التحقيقات والتقارير الاستقصائية في صحيفة “هآرتس”، في تقرير له أن نتنياهو وفريقا من مقربيه، وسعيا منه للتنصل من مسؤولية الإخفاق في منع أحداث “السبت الأسود” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شرعوا في جمع المواد والوثائق التي من شأنها أن تسلط ضوءا سلبيا على قادة الأجهزة العسكرية والأمنية، وتحملهم مسؤولية الفشل والإخفاق، والتأكد من إبراء ذمة نتنياهو.
وأوضح الصحفي الإسرائيلي أن نتنياهو، على عكس أسلافه، يواصل محاولة شق طريق للتنصل من المسؤولية والهروب من أي اتهامات قد توجه له مستقبلا من لجنة التحقيق، وذلك عبر التخزين القسري لوثائق أمنية وعسكرية سرية.
أمني وجنائي
وفي مؤشر لنهج نتنياهو التنصل من المسؤولية ودحرجتها إلى جهات أمنية وعسكرية أخرى، لفت فايتس إلى أن ديوان رئيس الوزراء نتنياهو اضطر قبل أيام إلى إعادة محاضر اجتماعات سرية للمجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) والتي تم إرسالها إليه خلافا للإجراءات.
ونقل فايتس عن أحد كبار القانونيين الإسرائيليين قوله إن “ما نراه من نتنياهو هو استمرار لفساده من بين الكثير من القضايا، فهذه المرة هو الفساد العام في قضايا تتعلق بأمن الدولة وليس الفساد الجنائي الإجرامي في قضايا مدنية، لكن المحرك الذي نشطه في كلا الحادثين هو نفسه: الحفاظ على السلطة وتحصين ذاته في منصب رئاسة الوزراء”.
لكن هذه المرة، يقول فايتس “يواجه رئيس الوزراء وأتباعه معركة أصعب من تلك التي خاضوها ضد المحققين والمدعين العامين. فلا يزال رؤساء الأجهزة الأمنية، رغم أحداث أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يتمتعون بالتعاطف من الجمهور الإسرائيلي، وحتى داخل الليكود هناك شرائح واسعة باتت لا تطيق عهد نتنياهو، وتعارض الهجوم على قوات الأمن بالذات في فترة الحرب”.
فساد وإخفاق
ووسط هذا الحراك الخفي لنتنياهو والمقربين منه وانتقاداته لقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية ونهجه المراوغ في الحرب على غزة، لا يستبعد محلل الشؤون الإستراتيجية والأمنية في موقع “واللا” الإلكتروني أمير أورن أن تستمر الحرب أكتوبر/تشرين الأول الماضي على غزة حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2024، إذا لم تتم إقالة نتنياهو والإطاحة به.
ولفت أورن إلى أن نتنياهو مرتاح لاستمرار الكابوس الأمني، فقد يستغل إطالة أمد الحرب على غزة والمعارك بهذه الوتيرة للبقاء على كرسي رئاسة الوزراء، وبغية أن يكون طوق نجاة له من ملفات الفساد التي تلاحقه، وأيضا للتنصل من مسؤولية الفشل والإخفاق الاستخباراتي بأحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأوضح المحلل ذاته أنه مع استمرار الحرب، ستتأخر شهادة نتنياهو في محاكمته بملفات فساد، وفي حالة الطوارئ الدائمة، سيمنحه الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ عفوا، أو يشرع بالكنيست قانونا لمنح العفو لنتنياهو.
كما أن الرئيس الأميركي جو بايدن سيضطر، وفقا لمحلل الشؤون الإستراتيجية والأمنية، إلى التعامل مع الحرب بأوكرانيا والانتخابات الرئاسية، في حين سيواصل نتنياهو البحث عن مجموعات من الجنود بالجيش الإسرائيلي لالتقاط الصور القسرية لكن من دون خراطيش.
نتنياهو والليكود
وفي ظل استمرار التراجع في شعبية نتنياهو وحزب الليكود، قدر الكاتب الإسرائيلي موشيه نستلباوم أن رئيس الموساد السابق يحلم بأن يكون رئيسا للوزراء، وقد يستغل الحرب للتنافس في الليكود وإعادة شعبيته بين الجمهور الإسرائيلي، وفي المقابل يسعى نتنياهو إلى إحباط مساعي كوهين الذي يشكل خطرا حقيقيا عليه.
وأوضح نستلباوم، في مقال له في صحيفة “معاريف”، أن نتنياهو لا يحب الورثة السياسيين، لافتا إلى أن وزراء الليكود الذين تجرؤوا على الحلم بصوت عال بمنصب رئيس الوزراء أدركوا بسرعة الخطأ الذي ارتكبوه.
ولفت الكاتب الإسرائيلي إلى أن الحلم بمنصب رئيس الوزراء أصبح حقيقة قاتمة للوزراء يسرائيل كاتس ونير بركات وآفي ديختر، الذين استوعبوا بسرعة عبارة “العجلة من الشيطان” ووضعوا أحلامهم على الرف خوفا من نتنياهو.
وأشار نستلباوم إلى أن نتنياهو لا يثق في من حوله ودائما لديه شكوك في المقربين، فالولاء في السياسة ليس هو اسم اللعبة بالنسبة لنتنياهو، ومن الواضح له أن أولئك الذين يعتبرون أنفسهم داخل حزب الليكود خلفاء له ينفد صبرهم.
ويخلص الكاتب الإسرائيلي لكون “الصراعات الخفية داخل حزب الليكود واستمرار تراجع شعبيته بصفوف الناخبين الإسرائيليين تلزم إحضار شخصية من خارج الحزب لتقوده وتعيد تأهيله، وربما كوهين هو هذا الشخص”.