على سفوح مدغشقر الرطبة، حيث تتحول الأغصان إلى مسارح صغيرة لتبدّل الألوان والكمائن الصامتة، تعيش حرباء اشتهرت بين المصورين وعشاق الطبيعة بأنف ممدود يذكّر بقصة بينوكيو. لطالما كانت دراسة الحرباء في مدغشقر تحديًا للعلماء، ولكن أحدث الأبحاث كشفت عن مفاجآت غير متوقعة، تؤكد على أهمية إعادة تقييم التصنيفات الحالية.
اكتشاف أنواع جديدة من الحرباء
لقرابة قرنٍ ونصف، ظن علماء الزواحف أنهم يعرفون هويتها، حيث تصوروا أنها مجرد عضو داخل مجموعة من “الحرباويات ذات الأنف المتدلي” التي تتشابه ملامحها، ويُستدل بينها غالبا من طول الزائدة الأنفية وشكلها. لكن دراسة جديدة تقول إن العلماء كانوا يضعون “الملصق الخطأ” على الحيوان الصحيح، فهذه الحرباء المعروفة شعبيا بـ”حرباء بينوكيو” هي في الحقيقة نوع مستقل، سُمّي رسميا “كالوما بينوكيو” كي يتوافق الاسم العلمي مع الاسم الشائع.
وفي مفاجأة ثانية، كشفت التحليلات عن نوع مخفي آخر كان يُخلط لسنوات مع نوع معروف بسبب التشابه الظاهري، وأُطلق عليه اسم “كالوما هوفريتري”. هذا الاكتشاف يبرز التحديات التي تواجه علماء التصنيف في تحديد الأنواع المتميزة، خاصة في المناطق ذات التنوع البيولوجي العالي مثل مدغشقر.
تغيرات الأنف الخادعة
السبب في هذا الالتباس أن “الأنف” نفسه، الذي اعتُبر علامة تشخيصية، قد يكون خادعا. فقد ظهر للعلماء أن الزوائد الأنفية لدى هذه الحَرَابِي يمكن أن تتغير بسرعة من حيث الطول والشكل وحتى اللون، ما يجعل الاعتماد على المظهر وحده طريقا للخطأ. ويقترح الفريق أن اختيار الإناث لشركاء التزاوج قد يكون من القوى التي تدفع هذا التغير السريع للزوائد الأنفية مع الزمن.
جمع الفريق بين بيانات شكلية وتسلسلات جينية، ورصد فروقا وراثية كبيرة داخل العينة قيد الدراسة. تبين لهم أن حرباء بينوكيو بالفعل نوع مختلف، حتى وإن أبدى بعضا من التشابه من الرفاق ذوي الأنف الطويل. هذا يؤكد على أهمية استخدام الأدوات الجينية الحديثة في تصنيف الكائنات الحية.
أهمية التصنيف الدقيق للحياة البرية
هنا قد تسأل عن أهمية كل هذا، ما الفرق بين أن تنضم الحرباء لهذه الفئة أو تلك؟ لكن التصنيف مهم، بل هو أساس الحماية والحفاظ على العالم الحيواني. حين نخلط نوعين تحت اسم واحد، قد نخطئ في تقدير نطاق انتشارهما أو عدد أفرادهما أو درجة تهديدهما. هذا يمكن أن يؤدي إلى قرارات خاطئة في مجال الحفاظ على البيئة.
بناء على ذلك التقدير الخاطئ، قد يقوم العلماء (مع الجهات الحكومية المختصة) ببناء خطط حفظ الطبيعة على مقاس خاطئ، ما قد يضر الحيوان. التنوع البيولوجي في مدغشقر فريد من نوعه، ويتطلب جهودًا متضافرة لحمايته. الحفاظ على البيئة يعتمد بشكل كبير على فهمنا الدقيق للأنواع التي نهدف إلى حمايتها.
الجدير بالذكر أن الدراسة اعتمدت على منهجية مبتكرة تُعرف بالـ”ميوزوميكس”، حيث يتم استخراج الحمض النووي من عينات متحفية محفوظة منذ زمن بعيد. الجزء الأكثر إثارة في القصة أن الحسم لم يأتِ فقط من عينات حديثة، بل من خزائن المتاحف. وبحسب الدراسة، فإن أقدم عينة استُخدمت في التحليل جُمعت عام 1836، أي قبل ولادة كثير من أدوات علم الوراثة الحديثة بزمن طويل.
مدغشقر تحديدا لا تحتمل هذا النوع من “العمى العلمي”، فهي موطن لأكثر من 40% من أنواع الحرباء المعروفة عالميا، ومع إضافة النوعين الجديدين، فإن الجزيرة باتت تضم 100 نوع معروف من الحرباء من أصل 236 نوعا عالميا. هذا يجعل مدغشقر مركزًا عالميًا لدراسة الحرباء.
من المتوقع أن تستمر الأبحاث في مدغشقر للكشف عن المزيد من الأنواع المخفية من الحرباء. العلماء يخططون لتوسيع نطاق التحاليل الجينية لتشمل المزيد من العينات المتحفية والحديثة. سيساعد هذا في تحسين فهمنا للتنوع البيولوجي في الجزيرة وتحديد أولويات جهود الحفاظ على البيئة. من المهم مراقبة التقدم في هذا المجال، حيث يمكن أن يؤدي إلى تغييرات كبيرة في استراتيجيات الحماية.













