شهدت مدينة حماة السورية اليوم الجمعة مظاهرات حاشدة بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لتغيير السلطة في البلاد، حيث توافد الآلاف من السكان والمناطق المجاورة إلى ساحة حماة الرئيسية. وتأتي هذه التجمعات في ظل استمرار جهود إعادة الإعمار والتأهيل في المدينة، بعد فترة طويلة من الصراع والاضطرابات. وتعتبر حماة رمزًا للمقاومة والتغيير في الذاكرة السورية.
وقدّر مراقبون عدد المشاركين في المظاهرات بحوالي مليون شخص، رافعين الأعلام السورية ولافتات تطالب بتحقيق العدالة والمحاسبة عن الانتهاكات التي وقعت خلال سنوات النزاع. كما عبر المتظاهرون عن أملهم في مستقبل أفضل لسوريا، وبناء دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان. وشارك في الفعاليات وفود من مختلف المحافظات السورية، تعبيرًا عن الوحدة الوطنية والتضامن مع أهل حماة.
الوضع العسكري في حماة بعد التغيير
قبل عام من الآن، كانت حماة نقطة ارتكاز للقوات الحكومية بعد الانسحاب من حلب في أواخر عام 2024. وقد سعت تلك القوات إلى تثبيت مواقعها ومنع تقدم الفصائل المسلحة التي كانت تسيطر على أجزاء واسعة من ريف إدلب.
لكن مع تزايد الضغوط العسكرية والاحتجاجات الشعبية، بدأت مواقع النظام في الانهيار. وفي الخامس من ديسمبر عام 2024، أعلنت فصائل “ردع العدوان” سيطرتها على أحياء رئيسية في حماة، مما أدى إلى فقدان السيطرة على المدينة لأول مرة منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011.
يعتبر هذا التحول العسكري نقطة تحول رئيسية في مسار الصراع السوري، حيث أدى إلى تغيير ميزان القوى وفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التطورات السياسية والعسكرية.
حماة 1982: ذكرى مؤلمة في تاريخ المدينة
تحمل مدينة حماة في ذاكرتها الجماعية جراحًا عميقة من أحداث فبراير عام 1982. فقد شهدت المدينة عملية عسكرية واسعة النطاق نفذتها القوات الحكومية ضد جماعات مسلحة، خاصةً تلك المرتبطة بـالإخوان المسلمين.
استمرت العمليات العسكرية لأكثر من ثلاثة أسابيع، وتسببت في سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، وتقدر الأرقام بين 20 و40 ألف قتيل. كما أدت إلى تدمير واسع النطاق في البنية التحتية للمدينة، وتشريد الآلاف من السكان.
لا تزال تفاصيل تلك الأحداث محل جدل، بسبب القيود التي فرضت على الوصول إلى المعلومات وتقييم الأضرار بشكل مستقل. ومع ذلك، فإن ذكرى حماة 1982 تظل حاضرة في الوعي السوري، وتذكر بأهمية الحوار والتسامح لتجنب تكرار المآسي.
حماة والاحتجاجات السورية عام 2011
مع اندلاع الاحتجاجات السورية في عام 2011، شهدت حماة مشاركة شعبية واسعة في المطالبة بالإصلاح السياسي والاجتماعي. وقد خرجت مظاهرات حاشدة في المدينة، تعبيرًا عن رفض الأوضاع القائمة والمطالبة بالحرية والديمقراطية.
على الرغم من أن النظام السوري تمكن من الحفاظ على سيطرته الإدارية والعسكرية على حماة خلال السنوات التالية، إلا أن المدينة شهدت عمليات اعتقال وتفتيش واسعة النطاق، بالإضافة إلى حوادث عنف متفرقة. وانضم العديد من أبناء حماة إلى فصائل المعارضة المسلحة، وشاركوا في المعارك التي امتدت إلى ريفي إدلب وحماة.
وقد ساهمت هذه الأحداث في تعزيز الهوية المحلية للمدينة، وتأكيد دورها في النضال من أجل التغيير.
تأتي هذه الذكرى في وقت تشهد فيه حماة جهودًا متزايدة لإعادة الاستقرار والتنمية. وتواجه المدينة تحديات كبيرة، بما في ذلك نقص الموارد، وتدهور البنية التحتية، وانتشار البطالة. ومع ذلك، فإن هناك إرادة قوية لدى السكان لإعادة بناء مدينتهم، وتحقيق مستقبل أفضل لأجيالهم القادمة.
من المتوقع أن تستمر الجهود الرامية إلى تحقيق المصالحة الوطنية، وتوفير الخدمات الأساسية للسكان، خلال الأشهر القادمة. كما من المهم مراقبة التطورات السياسية والأمنية في المنطقة، وتقييم تأثيرها على الوضع في حماة. وستظل المدينة محط أنظار المراقبين، نظرًا لأهميتها التاريخية والسياسية في سوريا.













