حوار مع السيّد مسعود العور، الرئيس التنفيذي لشركة ’ميداليون أسوشيتس‘
الاحساء
زهير بن جمعه الغزال
كيف ترى مستوى نمو الاستثمار العقاري في دول الخليج؟
شهد مستوى نمو الاستثمار العقاري في دول الخليج تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة واستمر في جذب الاستثمارات المحليّة والدوليّة على السواء، لاسيّما في عام 2024، فقد حقّقت دول الخليج نقلة نوعيّة في هذا القطاع، حيث تم تدشين مشاريع عقاريّة قُدرت قيمتها الإجمالية بـ 1.68 تريليون دولار، وشملت مشاريع قيد الإنشاء وأخرى مُخطّط لها.
وبحسب مجموعة “سي بي أر إي”، مثلت السعودية نسبة 63.1% من إجمالي قيمة المشاريع ما يعادل 1.06 تريليون دولار، تليها الإمارات بنسبة 24.4% مليار دولار تعادل 409 مليارات دولار، ثم سلطنة عمان بـ 87 مليار دولار بنسبة 5.2%.. وبلغت قيمة مشاريع دولة الكويت العقاريّة تحت الإنشاء والمُخطّط لها في عام 2024 نحو 54 مليار دولار ما يعادل 3.2% من إجمالي القيمة، تلتها دولة قطر بـ 2.9% تمثل 48 مليار دولار ثم مملكة البحرين بـ 21 مليار دولار تعادل 1.3%..
وقد واصل القطاع العقاري في دولة الإمارات نموه وجاذبيته الاستثماريّة خلال العام الماضي، مدعوماً بالاستقرار الاقتصادي والمالي الذي تشهده الدولة، وإطلاق مشاريع نوعيّة جديدة لمواكبة ارتفاع الطلب على مختلف الوحدات العقاريّة.
ووفق رصد وكالة أنباء الإمارات “وام”، أطلقت كبريات الشركات العقاريّة في الدولة عدداً كبيراً من المشاريع العقاريّة الضخمة منذ بداية العام الماضي ما أسهم في تعدّد الخيارات الاستثماريّة التي توفّر فرصاً قويّة للمستثمرين والطامحين إلى العيش والعمل في دولة الإمارات التي عزّزت مكانتها مركزاً عالمياً للعقارات عالية الجودة والصديقة للبيئة.
ووفقا لدائرة الأراضي والأملاك في دبي، استقطب قطاع العقارات في الإمارة 50 ألف مستثمر جديد خلال النصف الأوّل من العام الماضي، وحقّقت الدائرة نتائج قويّة بعد بلوغ قيمة التصرفات العقاريّة بـ 346 مليار درهم بنمو 23 في المائة.
كما شهد سوق العقارات المكتبية أيضاً طلباً قويّاً خلال النصف الأول من 2024، حيث تعد دولة الإمارات وجهة استثنائيّة لرجال الأعمال وللشركات الناشئة التي تتخذ من الدولة مقراً لها، حيث بلغ إجمالي مخزون المكاتب حوالي 9.26 مليون متر مربّع في دبي خلال النصف الأوّل من العام الماضي، فيما بلغ إجمالي المساحة المكتبيّة في أبوظبي 3.95 مليون متر مربع، خلال نفس الفترة.
وهناك العديد من العوامل الرئيسيّة التي تدفع نمو الاستثمار العقاري في دول الخليج، ونذكر أهمها:
التنمية الاقتصادية المستدامة: تسعى دول الخليج إلى تنويع اقتصاداتها بعيداً عن النفط، من خلال مبادرات استراتيجية مثل “رؤية السعودية 2030” و”رؤية الإمارات 2021″، التي تركز على تطوير القطاعات غير النفطيّة وتعزيز البنية التحتيّة. هذا يسهم في تأمين بيئة اقتصاديّة مواتية للاستثمار العقاري.
الطلب المحلي والدولي: يشهد القطاع العقاري طلباً مستمراً على العقارات السكنيّة والتجاريّة بسبب النمو السكاني المتسارع وزيادة عدد الوافدين. كما أن تزايد الحركة السياحيّة يعزّز الطلب على العقارات الفندقيّة والسياحيّة، ما يجعل الخليج وجهة جاذبة للاستثمارات الأجنبيّة.
الاستثمار في البنية التحتيّة: تواصل حكومات دول الخليج ضخ استثمارات ضخمة في مشاريع البنية التحتيّة مثل الطرق والمطارات والمدن الذكيّة. هذه الاستثمارات تساهم في زيادة الطلب على العقارات التجاريّة والسكنيّة، ممّا يعزّز القطاع العقاري.
التكنولوجيا والابتكار: هناك تركيز متزايد على العقارات الذكيّة والمدن الذكيّة التي تعتمد على التقنيات الحديثة لتحسين نوعية الحياة وزيادة القيمة العقاريّة. هذا يشكل عامل جذب كبير للمستثمرين المحليين والدوليين.
الاستثمار في القطاع الفندقي والسياحي: مع التوجهات المتزايدة لتطوير السياحة، وخاصّة في السعودية والإمارات، يزداد الطلب على العقارات الفندقيّة والمنتجعات. يعتبر هذا القطاع من أبرز مجالات الاستثمار في دول الخليج، ممّا يساهم في تنشيط السوق العقاري.
ومع ذلك، يواجه القطاع العقاري تحديات مثل التنافسية العالية في بعض الأسواق، ما يتطلّب استراتيجيات مرنة للتكيّف مع التغيرات الاقتصاديّة العالميّة والمحليّة. لكن بشكل عام، يعد الاستثمار العقاري في دول الخليج أحد القطاعات الأكثر وعداً في المنطقة، مع فرص كبيرة للنمو والتوسّع في السنوات القليلة المقبلة.
هل هناك اهتمام من المستثمرين المؤسساتيين من المنطقة والعالم بالاستثمار في سوق العقار الخليجي كون هذا القطاع يعد أحد الأصول البديلة؟
تشهد أسواق العقار في دول الخليج اهتماماً متزايداً من المستثمرين المؤسّسيين سواء من المنطقة أو من خارجها، حيث يعتبر القطاع العقاري في هذه الدول من الأصول البديلة الجاذبة. على الرغم من أن منطقة الشرق الأوسط لا تزال سوقاً صغيراً نسبيّاً من المنظور العالمي، إلا أن التطورات الكبيرة في البنية التحتيّة والاقتصاد قد جعلت من الخليج وجهة استثماريّة متميّزة في مجال العقارات.
في السنوات الأخيرة، سجلت صناعة صناديق الاستثمار العقاري (REITs) في دول مجلس التعاون الخليجي نمواً ملحوظاً. فوفقاً لتقرير صادر عن “موردور إنتلجنس”، من المتوقّع أن تنمو هذه الصناعة من 10.37 مليار دولار أميركي في 2024 إلى 15.40 مليار دولار أميركي بحلول 2029 ، بمعدل نمو سنوي مركّب قدره 8.24%. هذه الزيادة تشير إلى تزايد الاهتمام من قبل المؤسّسات الكبرى والمستثمرين الأجانب في سوق العقارات الخليجيّة. إلا أن صناديق الاستثمار العقاري لم تحظَ بشعبية كبيرة في المنطقة مقارنة بالدول المتقدمة، ويرجع ذلك إلى نقص الإطار التنظيمي المتكامل الذي يدعم هذه الأنواع من الاستثمارات.
ولكن رغم ذلك، يبدو المستقبل واعداً لصناديق الاستثمار العقاري في دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة مع وجود فئة جديدة من المستثمرين الذين يبحثون عن منتجات استثماريّة لتنويع محافظهم الاستثماريّة في الأسواق المحليّة. ويمكن أن تكون صناديق الاستثمار العقاريّة الإسلاميّة خياراً مفضلاً للمستثمرين التقليديين الذين يرغبون في الاستثمار في المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلاميّة في فئات الأصول المختلفة، مثل العقارات.
ومن المتوقّع أن يتغيّر ذلك، حيث تستهدف حوالي 70% من صناديق الثروة السياديّة تخصيص 10% أو أكثر للعقارات في دول مجلس التعاون الخليجي. ويكمن السبب في قدرة القطاع العقاري على تحقيق تدفقات نقديّة ثابتة من خلال دخل الإيجار والقدرة الكامنة على العمل كتحوط ضد التضخم (بسبب التصعيد التعاقدي في العقود طويلة الأجل) إلى جانب العائدات الصحيّة واحتمال زيادة رأس المال.
وحقّقت صناديق الاستثمار العقاري في دولة الإمارات عوائد جيدة على الأرباح مقارنة بالمتوسّط العالمي. ومع ذلك، فإن الصورة في المملكة العربية السعودية كانت مختلفة قليلاً، حيث تقدّم صناديق الاستثمار العقاري متوسّط عائد أرباح يبلغ 2.7٪. وكان جزء من المشكلة في المملكة العربية السعودية هو حدوث اندفاع مفاجئ في عمليات الإدراج مع عدم بذل العناية الكافية بشأن جودة الأصول. وتمكن الداخلون الأوائل إلى السوق من الحصول على علاوة أوليّة عند الإدراج. ومع ذلك، يتم تحديد أداء صندوق الاستثمار العقاري على المدى الطويل من خلال الجودة الأساسيّة للعقار.
وتتمتّع دولة الإمارات بعوائد أعلى من معظم مواقع الاستثمار العقاري الشهيرة في العالم حيث أن دخل الإيجار معفى من الضرائب بسبب الإعفاء الضريبي على أرباح رأس المال.
وتعتمد الاستثمارات المؤسسيّة في سوق العقار الخليجي على عدة عوامل رئيسيّة تجعل من المنطقة وجهة استثماريّة جاذبة:
العوائد المستقرة والطويلة الأجل: العقارات الخليجيّة تقدّم عوائد ثابتة نسبيّاً مقارنة بأدوات استثمار أخرى مثل الأسهم والسندات. هذه العوائد المستقرّة تجعل القطاع العقاري جاذباً للمستثمرين المؤسسيين الذين يسعون إلى دخل ثابت ومستدام.
الاستقرار الاقتصادي والسياسي: تتمتّع دول الخليج بمستوى عالٍ من الاستقرار السياسي والاقتصادي، ممّا يقلّل من المخاطر المرتبطة بالاستثمار. هذا الاستقرار يوفّر بيئة آمنة للمستثمرين المؤسسيين، سواء كانوا محليين أو دوليين.
التحولات الاقتصادية والمشاريع التنموية: خطط مثل “رؤية السعودية 2030″ و”رؤية الإمارات 2021” التي تركز على تطوير البنية التحتيّة ودعم الاقتصاد غير النفطي تفتح أمام المستثمرين العديد من الفرص. هذه المشاريع الكبيرة تعزّز من قيمة العقارات وتزيد من الطلب عليها.
الطلب المتزايد على العقارات التجارية والسكنية: النمو السكاني وزيادة عدد الوافدين والنشاط السياحي تساهم في رفع الطلب على العقارات في الخليج. هذا يتيح للمستثمرين المؤسسيين الحصول على عوائد مستدامة من الإيجارات على المدى الطويل.
التسهيلات والأنظمة القانونيّة الجاذبة: دول الخليج تقدّم تسهيلات كبيرة للمستثمرين الأجانب، مثل ملكية العقارات بنسبة 100% في مناطق محدّدة، بالإضافة إلى تعديلات في الأنظمة الضريبيّة لجذب الاستثمارات. هذه السياسات تجعل من السوق الخليجي مكاناً مغرياً للمستثمرين المؤسسيين.
تنوع الأصول العقاريّة: يمكن للمستثمرين المؤسسيين الوصول إلى مجموعة واسعة من الأصول العقاريّة، بدءاً من السكنيّة والتجاريّة وصولاً إلى الفندقيّة والمشاريع التطويريّة الكبرى مثل المدن الذكيّة. هذا التنوّع يمكنهم من توزيع المخاطر بشكل فعّال وتحقيق عوائد متنوّعة.
مع هذه العوامل، من المتوقّع أن يستمر نمو الاستثمارات المؤسسيّة في القطاع العقاري الخليجي، حيث يتزايد تدفق الاستثمارات المحليّة والدوليّة، ممّا يعزّز من موقع السوق العقاري في الخليج كمركز عالمي للأصول البديلة.
ما هي أهم الاتجاهات الناشئة في الاستثمار العقاري في دول الخليج في 2025 ؟
في عام 2025، من المتوقّع أن تستمر أسواق العقار في دول الخليج في مواجهة تحولات كبيرة، مدفوعة بعدد من الاتجاهات الناشئة التي تعكس احتياجات السوق وتوجهات المستثمرين. هذه الاتجاهات تشير إلى تحوّل نحو الاستدامة، الابتكار، وتنوع الاستثمار العقاري في المنطقة، ممّا يجعلها بيئة جاذبة للمستثمرين من جميع أنحاء العالم. من أبرز هذه الاتجاهات:
الاستثمار في المدن الذكيّة والمستدامة: تتسارع جهود دول الخليج في تطوير المدن الذكيّة التي تعتمد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين جودة الحياة وتعزيز الاستدامة البيئية. مشاريع مثل “مدينة نيوم” في السعودية و”مستقبل المدينة” في دبي تعكس التوجه نحو العقارات المستدامة والمتوافقة مع التوجهات البيئيّة والاجتماعيّة والحوكمة (ESG). هذا النوع من العقارات يزداد جذباً للمستثمرين، حيث يشهد الطلب على المساحات الذكيّة نمواً ملحوظاً.
العقارات الصناعيّة واللوجستيّة: مع النمو الكبير للتجارة الإلكترونيّة، من المتوقّع أن ترتفع الاستثمارات في العقارات الصناعيّة، مثل المستودعات والمراكز اللوجستيّة. دول الخليج، خاصّة الإمارات والسعودية، ستظل مراكز لوجستية مهمّة، ممّا يعزّز الطلب على هذه الأنواع من العقارات.
التطوير العقاري السياحي والترفيهي: تهدف دول الخليج إلى تقليل اعتمادها على النفط، ممّا يفتح المجال للاستثمار في القطاع السياحي والترفيهي. مشاريع ضخمة مثل “القدية” و”الدرعية” في السعودية و”دبي وورلد سنترال” في الإمارات ستستمر في جذب الاستثمارات، ممّا يساهم في نمو قطاع العقارات السياحيّة والفندقيّة.
الاستثمار في العقارات التجاريّة المرنة: يشهد السوق العقاري تغيرات في الطلب على المساحات التجاريّة، حيث تزداد الحاجة إلى المكاتب المشتركة (Co-working spaces) والمكاتب المرنة التي تلبّي احتياجات الشركات الناشئة والمتوسّطة. من المتوقّع أن يواصل هذا الاتجاه نموه في 2025 مع تزايد التحول نحو بيئات العمل المرنة.
زيادة الاستثمارات في العقارات السكنيّة المُيسرة: مع تزايد عدد السكان في دول الخليج وتوجه الحكومات لتوفير السكن بأسعار معقولة، سيستمر النمو في هذا القطاع. دول مثل السعودية التي تسعى لتوفير 1.5 مليون وحدة سكنية في السنوات القادمة ستظل في مقدمة هذا الاتجاه.
استثمارات في العقارات الرقميّة والافتراضيّة: مع تزايد الاهتمام بتقنيات الميتافيرس وNFTs، بدأ بعض المستثمرين في النظر في الفرص العقاريّة الرقميّة، حيث يتم شراء وبيع العقارات الافتراضيّة. هذا الاتجاه، رغم كونه ناشئاً، يتوقّع أن يزداد في المستقبل، خاصّة بين جيل الشباب.
التوجه نحو التمويل العقاري المبتكر: في ظل التغيرات الاقتصاديّة والجيوسياسيّة، سيزداد استخدام حلول التمويل العقاري المبتكرة مثل التمويل الجماعي العقاري (Real Estate Crowdfunding) وصناديق الاستثمار العقاري (REITs) . هذه الحلول تمنح المستثمرين فرصاً مرنة للوصول إلى الاستثمارات العقاريّة الكبيرة.
تطوير العقارات المتوافقة مع الشريعة الإسلاميّة: مع تزايد اهتمام المستثمرين المسلمين، تزداد الاستثمارات في العقارات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، سواء كانت سكنيّة أو تجاريّة، ممّا يعزّز جاذبية هذا القطاع في دول الخليج.
التوسّع في الأنماط العمرانيّة المرنة: ستشهد أسواق العقار في الخليج مزيداً من الابتكار في التصاميم العمرانيّة التي تسمح بمرونة في الاستخدام، مثل المباني القابلة للتحويل أو المتعدّدة الوظائف، ممّا يوفّر فرصاً استثماريّة تتكيف مع احتياجات السوق المتغيرة.
الاستثمار في الطاقة المتجدّدة للمشاريع العقاريّة: مع تزايد الاهتمام بالطاقة النظيفة، ستشهد المشاريع العقاريّة الجديدة في دول الخليج تركيزاً أكبر على استخدام الطاقة المتجدّدة مثل الألواح الشمسيّة، ممّا يعزّز من قيمة العقارات ويجذب المستثمرين المهتمين بالاستدامة البيئية.
وأخيراً أود القول أن الاتجاهات الناشئة في الاستثمار العقاري في دول الخليج لعام 2025 تشير إلى تحوّل كبير نحو الاستدامة، التكنولوجيا، والمرونة في التصميم. هذه التوجهات ستستمر في جذب الاستثمارات من جميع أنحاء العالم، ممّا يجعل السوق العقاري الخليجي أحد الوجهات الرئيسيّة للمستثمرين في المستقبل القريب.