قال خبراء ومختصون في القانون الدولي إن التشريعات الإسرائيلية تهدف إلى تكريس السيادة القانونية للاحتلال على جميع أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، وتعقيد الانسحاب مستقبلا من كل الأراضي الفلسطينية، وذلك من خلال حزمة من القوانين التي لا تستطيع أي حكومة إسرائيلية تجاوزها إلا عبر استفتاء شعبي أو تأييد 80 عضوا في الكنيست.
وفي ندوة عُقدت أمس الأربعاء، ونظمها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات والمؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) بعنوان: “مخططات الضم والتهجير للضفة الغربية وقطاع غزة”، أضاف المشاركون أن الممارسات الإسرائيلية بالتهجير القسري واللجوء في الضفة والقطاع تجاوزت الأفعال العدائية إلى ارتكاب جرائم حرب متكاملة الأركان حسب توصيف التشريعات الدولية كلها.
ويأتي تنظيم الندوة في ظل استئناف الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على غزة وقيامه باقتحام بري للقطاع، فضلا عن تكثيف الاقتحامات والتوغلات لمخيمات الضفة الغربية في عملية بدأها منذ 21 يناير/كانون الثاني الماضي، أي عقب يومين فقط من دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي حيز التنفيذ.
أركان الجريمة
الندوة طرحت جريمة التهجير أو الإبعاد القسري بوصفها قضية مرتبطة بوجود الاحتلال نفسه، لذلك حذرت التشريعات والاتفاقيات الدولية من ممارسة هذه الأفعال وأدانت مرتكبيها، وأكدت ضرورة حماية السكان المدنيين حتى في أوقات الحروب.
ولذلك يقول الخبير في القانون الدولي أنيس قاسم إن عمليات التهجير التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين تأتي ضمن مظلة جرائم الإبادة الجماعية، وهذه الانتهاكات تمزق النسيج الاجتماعي للمجتمع الفلسطيني، وتُنتج آثارا مدمرة مثل الإفقار والحرمان، وهي ليست مجرد انتهاك للقانون الدولي، بل تعكس نية متعمدة لإلحاق الضرر بالإنسان الفلسطيني ومجتمعه.
وأضاف قاسم -وهو أيضا رئيس مجلس إدارة صندوق العون القانوني للدفاع عن الأسرى الفلسطينيين- أنه في الحرب على غزة اتخذ التهجير بُعدا أكثر عدوانية، إذ صدر خلال 15 شهرا من العدوان على غزة 184 أمرا بتهجير السكان، وهدفها كان الاستنزاف والإرهاق والإرهاب، وهذا يعد في الأدبيات الحديثة جزءا من عملية التطهير العرقي.
وأثار خبير القانون الدولي والعضو المؤسس في التحالف الدولي القانوني لفلسطين مصطفى نصر الله جملة من الأسئلة المتعلقة بالأبعاد القانونية لجرائم إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين، مثل: هل أركان الجريمة مكتملة عند الاحتلال؟ وهل يقوم بأفعال عدائية؟ وهل هناك قصد جرمي؟ وهل هناك نتيجة جرمية؟ وهل أركان الجريمة المادية والمعنوية والقانونية متوفرة؟
وفي مداخلته، يقدم نصر الله تصورا عاما لهذه الأبعاد، ويضرب أمثلة على كل ركن منها، فالركن المادي -مثلا- تمثل في نقل السكان عنوة كما يحدث في مخيمات الضفة الغربية لتغيير الديموغرافيا والجغرافيا. ويتوفر الركن القانوني في التشريعات الدولية كلها التي تجرم أفعال الإبعاد القسري كما يحدث في قطاع غزة، أما الركن المعنوي فهو يتوفر بأكثر من مستوى، وتكفي تصريحات القادة الإسرائيليين ضد الفلسطينيين للدلالة عليه.
تشريعات إسرائيلية
ولم تكتف إسرائيل بعمليات التهجير والإبعاد القسري ضد الفلسطينيين، لكنها أحدثت قوانين جديدة تشرّع سيادتها على الأرض وتضفي عليها صبغة قانونية.
الباحثة في المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) إيمان سبع أعين عدّدت -في مداخلتها بالندوة- صورا من هذه التشريعات:
- أولا- قانون تسيير شراء الأراضي في الضفة الغربية
يسهل هذا القانون على المستوطنين تملك الأراضي والعقارات في الضفة الغربية، ويلغي القانون الأردني لعام 1953 الذي كان يمنع تأجير أو بيع الأراضي أو العقارات لأي شخص لا يحمل الجنسية الأردنية أو ليس عربيا.
وخطورة هذا التشريع تكمن في أنه سيتيح للمستوطنين شراء الأراضي بشكل مباشر، وهذا يؤدي إلى التوسع الاستيطاني وسرقة الأراضي الفلسطينية.
- ثانيا- قانون ضم المناطق الأثرية
ويشمل هذا القانون السيطرة على أكثر من 3200 موقع أثري معظمها يقع في المناطق المصنفة “ج”، الأمر الذي يهدد بفقدان الفلسطينيين تراثهم الثقافي والتاريخي ويضع هذه المواقع تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل.
- ثالثا- قانون تغيير تسمية الضفة الغربية
ويهدف إلى تغيير اسم “الضفة الغربية” في النصوص والتشريعات الإسرائيلية إلى “يهودا والسامرة”، وهو الاسم الذي يستخدمه الاحتلال للإشارة إلى الضفة الغربية.
- رابعا- قانون تعقيد الانسحاب من الضفة الغربية
ويُلزم هذا القانون أي حكومة إسرائيلية بإجراء استفتاء شعبي أو الحصول على تأييد 80 عضوا في الكنيست قبل الموافقة على أي انسحاب من الضفة الغربية أو نقل ملكية أي جزء منها إلى كيان أجنبي، كما يفرض قيودا على الإجراءات الإدارية التي يمكن اتخاذها بشأن هذه الأراضي، مثل نقل مناطق من التصنيف “ج” إلى التصنيف “أ” لمنح السلطة الفلسطينية صلاحيات إضافية.
وكانت اتفاقية أوسلو التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل عام 1993 وملاحقها تنص على تقسيم أراضي الضفة الغربية إلى 3 مناطق على النحو التالي:
- منطقة “أ”: تخضع أمنيا وإداريا بالكامل للسلطة الفلسطينية.
- منطقة “ب”: تخضع إداريا للسلطة الفلسطينية وأمنيا لإسرائيل.
- منطقة “ج”: تخضع أمنيا وإداريا بالكامل للسيطرة الإسرائيلية فقط.

ما العمل؟
المداخلة الأخيرة في ندوة مركز الزيتونة ومؤسسة شاهد كانت للخبير في القانون الدستوري أحمد الخالدي، وتطرق فيها إلى الأبعاد التاريخية والسياسية لتهجير الفلسطينيين، والسياق الاستعماري الغربي الذي وطّن لوجود الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة.
وقال الخالدي -في مداخلته- إن دعم الولايات المتحدة وغيرها لإسرائيل يشمل الجوانب العسكرية والاقتصادية، وهذا يجعل إسرائيل قادرة على ترجيح كفتها في الصراع مع الشعب الفلسطيني، وخير شاهد على ذلك الحروب الإسرائيلية مثل تلك التي شنت على غزة وأدت إلى ارتكاب جرائم حرب بشعة، بما في ذلك القتل العشوائي وتجويع السكان المدنيين، وهي أفعال يجرمها القانون الدولي.
وطالب خبير القانون الدستوري بالعمل المكثف على المستويين السياسي والقانوني، سواء داخل المحافل الدولية مثل مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، أو على الصعيد المحلي الفلسطيني، وأشار إلى أن الأمر يتطلب أيضا توحيد الجهود الفلسطينية لمواجهة المشروع الصهيوني وإعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية لتعزيز السيادة الوطنية.
وهذه الجهود هي أيضا ما طالبت بها أغلب المداخلات في الندوة، من حيث ضرورة تحرك السلطة الفلسطينية نحو إصدار مراسيم تجرّم تهجير الشعب الفلسطيني وتمنع التنازل عن الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال، وتكثيف التحرك الدبلوماسي والقانوني لدى الهيئات الدولية والأمم المتحدة، ووحدة العمل العربي من أجل مواجهة جرائم الحرب، وزيادة الوعي بالمخاطر المترتبة على الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.