على مدى عقود، كان سرطان الرئة مرتبطًا بالوصمة الاجتماعية والقلق والفقدان. لكن التقدم في طرق الفحص والعلاجات وتحسين فرص البقاء على قيد الحياة قد أحدث واقعًا جديدًا، حيث أصبح سرطان الرئة قابلاً للعلاج والسيطرة عليه، ويُفهم بشكل متزايد كمرض مزمن بالنسبة للكثيرين. يسلط عدد خاص من مجلة الكلية الأمريكية للأشعة، الصادر عن “إلسفير” بالتعاون مع المائدة المستديرة الوطنية لسرطان الرئة التابعة للجمعية الأمريكية للسرطان، الضوء على هذا التحول، موضحًا كيف يتجاوز دور علم الأشعة مجرد اكتشاف المرض ليشمل توفير رعاية عادلة وشاملة.
يعد السرطان السبب الثاني للوفاة في الولايات المتحدة، والسبب الرئيسي للوفاة المبكرة، مع الأخذ في الاعتبار عدد سنوات العمر المفقودة. ويشكل سرطان الرئة النسبة الأكبر من الوفيات الناجمة عن السرطان، حيث يتسبب في عدد وفيات يتجاوز مجموع الوفيات الناجمة عن السببين التاليين للوفاة بالسرطان، لدى كل من الرجال والنساء. تشير التوقعات لعام 2025 إلى تسجيل حوالي 226,650 حالة إصابة بسرطان الرئة، و 124,730 حالة وفاة.
التحول في مشهد فحص وعلاج سرطان الرئة
تؤكد الدكتورة ليزا كارتر-باوا، المحررة المشاركة، من مركز الاكتشاف والابتكار في هاكنساك ميريديان هيلث وجامعة جورج تاون، أن فحص سرطان الرئة قد تطور ليصبح نظامًا متكاملًا للرعاية الصحية. لا يقتصر الأمر على زيادة عدد الأشخاص الذين يخضعون للفحص، بل يشمل أيضًا ضمان حصول الفئات المستهدفة على الفحص بشكل منصف، وإدارة الحالات بشكل مناسب، وتقديم الدعم الشامل للمرضى.
أربعة مبادئ أساسية في الفحص الحديث
يشير المساهمون في هذا العدد الخاص إلى أربعة مبادئ أساسية تحدد هذا التحول في التعامل مع سرطان الرئة:
- الأشعة كمركز متكامل: لم يعد الفحص خدمة منفصلة، بل يربط بين الوقاية وعلاج التبغ ومسارات التشخيص والاختبارات الحيوية وموارد الدعم عبر مختلف الأنظمة لتقليل التشتت في الرعاية.
- القيمة مقابل الحجم: النجاح لا يعتمد فقط على زيادة أعداد فحوصات التصوير المقطعي المحوسب منخفض الجرعة، بل يشمل أيضًا ضمان الوصول العادل، والمتابعة المناسبة، والالتزام بالخطة العلاجية، وإدارة الإشعاع، وتقليل الآثار الضارة.
- الأهمية القصوى للتجربة الإنسانية: القلق بشأن الفحوصات والنتائج، بالإضافة إلى الوصمة المرتبطة بالتدخين، يمكن أن يضعف ثقة المرضى ويقلل من مشاركتهم ويؤثر على التزامهم طويل الأمد. فالبرامج التي تعطي الأولوية للتعاطف والوضوح والتواصل المحترم تعمل على تحسين مشاركة المرضى.
- تحديد الفئات المستهدفة للفحص: استخدام الدراسات الوبائية لتحديد الفئة الأكثر عرضة للإصابة بسرطان الرئة يمثل أهمية بالغة في الحفاظ على التوازن بين فوائد ومخاطر الفحص.
وتوضح الدكتورة آشلي بروسبر، من جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، أن التجارب السريرية والتقارير الصادرة عن برامج الفحص الميدانية قد أكدت قدرة فحص سرطان الرئة على تحسين النتائج بشكل كبير. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الأثر الإيجابي يتطلب تكاملاً بين الشراكات الاستراتيجية متعددة التخصصات، والتواصل الفعال، وأدوات المعلوماتية، مما يسهم في سد الفجوات في البيانات بين أقسام الأشعة والرعاية الأولية والأورام، وهو أمر بالغ الأهمية للتشخيص المبكر والمتابعة المناسبة وتحقيق نتائج عادلة.
وفي هذا الصدد، تشير الدكتورة جولي بارتا، من جامعة توماس جيفرسون، إلى أنه على الرغم من إثبات فعالية فحص سرطان الرئة في تحسين الكشف المبكر وتقليل الوفيات، إلا أنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لفهم كيفية تحديد المرضى الأكثر عرضة للخطر وتقديم رعاية عالية الجودة لهم. وتؤكد على أهمية تطوير استراتيجيات لزيادة الوصول إلى الفحص وتحسين الالتزام بالخطة العلاجية.
وتضيف الدكتورة إيلا كازروني، رئيسة المائدة المستديرة الوطنية لسرطان الرئة: “سرطان الرئة قابل للعلاج والنجاة، ويجب أن يعرف كل مريض ذلك. أطباء الأشعة وفرقهم جزء لا يتجزأ من المجتمع الطبي، وبالتعاون مع أطبائنا في الرعاية الأولية وزملائنا المتخصصين، يمكننا المساعدة في زيادة المعرفة والوعي بما هو ممكن، واستبدال التشاؤم والوصمة بالتعاطف والأمل للمرضى وعائلاتهم.”
وتختتم الدكتورة كارتر-باوا بالقول: “لم يعد السؤال ما إذا كان فحص سرطان الرئة ينقذ الأرواح، بل كيف نضمن تحقيق فوائده على نطاق واسع، وبشكل منصف، وبكرامة. يمتلك قسم الأشعة مكانة فريدة تؤهله لقيادة هذه المهمة، من خلال تبني التكنولوجيا المتقدمة، وتعزيز التعاون متعدد التخصصات، والتركيز على رعاية المرضى.”
من المتوقع أن تشهد السنوات القادمة المزيد من التطورات في مجال فحص وعلاج سرطان الرئة، بما في ذلك تطوير فحوصات أكثر دقة، وعلاجات مستهدفة، واستراتيجيات لتحسين الوصول إلى الرعاية. الباحثون يتوقعون أيضًا نشر المزيد من البيانات حول فعالية برامج الفحص المختلفة، مما سيساعد في توجيه الممارسات السريرية المستقبلية. يتوجب متابعة التطورات في المؤشرات الحيوية الجديدة وتقييم دورها في الكشف المبكر عن السرطان.













