بعد فترة طويلة من انقطاع الأخبار، عادت تقارير القبض على شبكات نصب جديدة تدّعي بيع “الزئبق الأحمر” إلى الواجهة. هذه المادة الوهمية، التي يُزعم أنها تمتلك قدرات خارقة في الكشف عن الكنوز وتحويل المعادن، لا تزال تجذب الضحايا رغم التحذيرات المتكررة من قبل السلطات ووسائل الإعلام. آخر هذه الحوادث وقع في مدينة مراكش المغربية، حيث ألقت الشرطة القبض على شبكة إجرامية متخصصة في خداع الباحثين عن الثروة السريعة.
القبض على هذه الشبكة، والتي استغلت هوس البعض بالتنقيب عن الكنوز، يثير تساؤلات حول استمرار انتشار هذه الخرافة. فقد استخدم المحتالون نفس الأساليب التي نجحت في مصر سابقًا، حيث يتم إقناع الضحايا بأن الزئبق الأحمر يعمل كمغناطيس للمعادن الثمينة والكنوز المدفونة.
لماذا ينتشر وهم الزئبق الأحمر في المغرب؟
انتشار الحديث عن الزئبق الأحمر في المغرب والعديد من الدول العربية يرتبط بمجموعة من العوامل المتداخلة. أحد أهم هذه العوامل هو الإيمان الراسخ بالخرافات والأساطير المتعلقة بالكنوز المدفونة والقدرات السحرية للمواد الغامضة.
بالإضافة إلى ذلك، تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في ترويج هذه الأفكار. فقد شهدت منصات التواصل في المغرب انتشار مقاطع فيديو وإعلانات تروج للزئبق الأحمر كأداة سحرية لتحقيق الثراء السريع. هذه المقاطع غالبًا ما تجذب عددًا كبيرًا من المشاهدات والتعليقات، مما يزيد من انتشار الوهم.
كما أن القوانين الصارمة المتعلقة بالتنقيب عن الآثار في المغرب تدفع البعض إلى العمل بشكل سري وغير قانوني، مما يجعلهم عرضة للاحتيال من قبل المحتالين الذين يستغلون هذه الظروف.
أصول أسطورة الزئبق الأحمر
على الرغم من أن الحديث عن الزئبق الأحمر يبدو حديثًا نسبيًا، إلا أن أصول هذه الأسطورة تعود إلى الحقبة السوفيتية. ففي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، نشرت صحف غربية تقارير غامضة عن مادة سرية سوفيتية قادرة على تصنيع أسلحة نووية متطورة.
لاحقًا، تبين أن هذه التقارير كانت جزءًا من عملية تضليل استخباراتية متعمدة من قبل المخابرات السوفيتية. الهدف من هذه العملية كان استدراج تجار السلاح والمجموعات الإرهابية الذين يبحثون عن طرق سريعة للحصول على أسلحة متقدمة.
ومع انهيار الاتحاد السوفيتي، انكشفت حقيقة هذه المادة الوهمية. لكن المصطلح “الزئبق الأحمر” ظل عالقًا في الأذهان، وبدأ يربط بالسحر والكنوز والقدرات الخارقة.
الزئبق الأحمر: حقيقة أم خيال؟
من الناحية العلمية، لا يوجد ما يسمى بالزئبق الأحمر الذي يمتلك القدرات المزعومة. الزئبق هو عنصر كيميائي سائل في درجة حرارة الغرفة، ولا يمكن أن يتحول إلى مادة صلبة حمراء اللون أو أن يمتلك خصائص سحرية.
ومع ذلك، هناك مادة تاريخية معروفة باسم “الزنجفر” في الكيمياء القديمة، وهي عبارة عن كبريتيد الزئبق الأحمر. كانت هذه المادة تستخدم في الماضي كصبغة فنية لتلوين المخطوطات واللوحات. لكنها لا تمتلك أي علاقة بالأسطورة الحديثة للزئبق الأحمر.
وقد أثبتت دراسات علمية حديثة أن المادة التي يتم بيعها على أنها “الزئبق الأحمر” غالبًا ما تكون عبارة عن زئبق نقي أو خليط من مواد كيميائية غير ضارة، ولكنها لا تمتلك أي قيمة حقيقية.
جهود مكافحة النصب
تبذل السلطات في المغرب والعديد من الدول العربية جهودًا كبيرة لمكافحة عمليات النصب المتعلقة بالزئبق الأحمر. وتشمل هذه الجهود توعية الجمهور بمخاطر هذه الخرافة، والقبض على المحتالين وتقديمهم للعدالة، وتشديد الرقابة على تجارة المواد الكيميائية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من التعاون بين السلطات ووسائل الإعلام والباحثين لنشر الوعي العلمي ومحاربة الشائعات والأساطير.
من المتوقع أن تستمر السلطات المغربية في جهودها لملاحقة المحتالين الذين يستغلون سذاجة الناس. كما من المرجح أن يتم إطلاق حملات توعية جديدة لتثقيف الجمهور حول مخاطر الزئبق الأحمر. يبقى التحدي الأكبر هو تغيير المفاهيم الخاطئة المتجذرة في الأذهان، وهو ما يتطلب جهودًا مستمرة وشاملة.













