تسببت الفيضانات والأعاصير المدمرة في مناطق واسعة من جنوب وجنوب شرق آسيا بخسائر اقتصادية فادحة تتجاوز 20 مليار دولار منذ أواخر الشهر الماضي، مما يسلط الضوء على التحديات المتزايدة التي تواجه المنطقة بسبب تغير المناخ وتأثيره على البنية التحتية والاقتصادات المحلية. وقد أدت هذه الكوارث الطبيعية إلى مقتل المئات وتدمير المنازل والطرق، وتعطيل سلاسل الإمداد، وإلحاق أضرار جسيمة بالقطاع الزراعي والسياحي.
وتشمل الدول الأكثر تضرراً إندونيسيا وسريلانكا وفيتنام وتايلاند والفلبين، حيث تسببت سلسلة من الأعاصير المدارية والأمطار الغزيرة في فيضانات وانهيارات أرضية واسعة النطاق. وقد أدت هذه الأحداث إلى تعطيل الحياة اليومية للملايين من الأشخاص، وتفاقم المشاكل الاقتصادية القائمة في بعض هذه الدول.
تأثير تغير المناخ على الفيضانات في جنوب شرق آسيا
يشير العلماء والمحللون إلى أن تغير المناخ يلعب دوراً كبيراً في زيادة تواتر وشدة الفيضانات في جنوب شرق آسيا. فارتفاع درجة حرارة الأرض يؤدي إلى زيادة تبخر المياه، مما يزيد من كمية الأمطار التي تهطل. بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع مستوى سطح البحر يزيد من خطر الفيضانات الساحلية.
وبحسب دراسة حديثة أجراها المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية، فإن تغير المناخ يؤدي إلى تفاقم الفيضانات الشديدة في جنوب شرق آسيا. ويؤكد الباحثون أن هذه الفيضانات ستصبح أكثر تواتراً وشدة في المستقبل، ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
الكوارث المركبة وتأثيرها الاقتصادي
لا يقتصر الخطر على الفيضانات وحدها، بل يكمن أيضاً في ما يعرف بـ “الكوارث المركبة”، وهي الأحداث المتطرفة المتعددة التي تضرب المنطقة في تتابع متقارب. وتشير وحدة الأبحاث “بي إم آي” التابعة لشركة “فيتش سولوشن” إلى أن هذه الكوارث المركبة ستتسبب في أضرار أكبر في السنوات القادمة.
وتضم المنطقة بعضاً من أكبر نسب الأشخاص الذين يعيشون في مناطق معرضة لخطر الفيضانات، حيث تصل النسبة إلى 21% في ماليزيا وحوالي 20% في إندونيسيا. وتشير التقديرات إلى أن هذه النسب ستستمر في الارتفاع مع تسارع ظاهرة الاحتباس الحراري ونمو السكان في المناطق المعرضة للخطر.
الخسائر الاقتصادية والتحديات المستقبلية
تشير التقديرات الأولية إلى أن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الفيضانات والأعاصير في جنوب شرق آسيا قد تجاوزت 20 مليار دولار منذ أواخر الشهر الماضي. وتشمل هذه الخسائر الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، وخسارة المحاصيل الزراعية، وتعطيل سلاسل الإمداد، وتراجع النشاط السياحي.
وتواجه الدول المتضررة تحديات كبيرة في جهود التعافي وإعادة الإعمار. وتشمل هذه التحديات نقص التمويل، وضعف البنية التحتية، وعدم كفاية الاستعداد للكوارث. بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض السلطات في المنطقة أعطت الأولوية للنمو الاقتصادي على حساب جهود التخطيط والتكيف مع الطقس المتطرف.
وفي سريلانكا، قد تكلف الأضرار الناجمة عن الإعصار ديتواه اقتصاد البلاد ما يصل إلى 1.6 مليار دولار. وفي تايلاند، تسببت العواصف في أضرار تقدر بنحو 15 مليار دولار، وقد تواجه البلاد خسائر إضافية تصل إلى 400 مليون دولار شهرياً إذا استمرت الظروف. وفي إندونيسيا، تشير التقديرات إلى أن الخسائر تتجاوز 4 مليارات دولار، أو 0.29% من الناتج المحلي الإجمالي.
الاستجابة والتكيف مع تغير المناخ
يتطلب التعامل مع هذه التحديات اتباع نهج شامل يتضمن الاستثمار في البنية التحتية المقاومة للكوارث، وتعزيز أنظمة الإنذار المبكر، وتحسين التخطيط الحضري، وزيادة الوعي العام بأخطار الكوارث الطبيعية. كما يتطلب الأمر تعاوناً إقليمياً ودولياً لتبادل الخبرات والموارد، وتقديم الدعم المالي والفني للدول المتضررة.
وفي الوقت نفسه، من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، وتعزيز كفاءة استخدام الطاقة. فالحد من الاحتباس الحراري هو السبيل الوحيد لمنع تفاقم الفيضانات والكوارث الطبيعية الأخرى في المستقبل.
من المتوقع أن تستمر الجهود لتقييم الأضرار وتقديم المساعدات الإنسانية في الأسابيع والأشهر القادمة. وستركز الحكومات والمنظمات الدولية على توفير المأوى والغذاء والمياه النظيفة للمتضررين، وإعادة بناء البنية التحتية المتضررة. ومع ذلك، فإن التحديات طويلة الأجل تتطلب استثمارات كبيرة وجهوداً متواصلة للتكيف مع تغير المناخ وبناء القدرة على الصمود في مواجهة الكوارث الطبيعية.













