أنقرة – تشهد منطقة البحر الأسود تصعيدًا متزايدًا في التوترات بعد سلسلة هجمات استهدفت سفن تجارية وناقلات نفط بالقرب من السواحل التركية، مما أثار مخاوف بشأن أمن الملاحة وسلامة التجارة الدولية. وتأتي هذه التطورات في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وتصاعد المخاوف من امتداد نطاق الصراع إلى المياه الإقليمية التركية.
واعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذه الهجمات بمثابة “تصعيد مقلق” يهدد الاستقرار الإقليمي، وحذر من خطر الانزلاق إلى مواجهة بحرية مفتوحة. وقد استدعت الخارجية التركية سفراء كل من روسيا وأوكرانيا للتعبير عن قلقها العميق بشأن هذه التطورات، مطالبةً بضمان سلامة السفن التجارية في المنطقة.
تأثيرات الحرب على أمن الملاحة في البحر الأسود
شهدت مياه البحر الأسود، خلال الأيام القليلة الماضية، سلسلة من الحوادث التي تعكس تصاعد التوترات. ففي الأسبوع الماضي، اندلع حريق في الناقلة “كایروس” التي ترفع علم غامبيا، بعد انفجار وقع على بعد 28 ميلاً بحرياً قبالة ساحل كفكن شمال تركيا. بعد ذلك بوقت قصير، تلقت السلطات التركية نداء استغاثة من ناقلة النفط “فيرات” التي تعرضت لهجوم على بعد 35 ميلاً من الساحل.
وتشير التقارير إلى أن هذه الهجمات قد تكون مرتبطة بالصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا، حيث تتهم كييف موسكو بمحاولة تعطيل صادراتها من الحبوب والنفط. كما أعلنت أوكرانيا سابقًا عن استخدام طائرات مسيرة لضرب ناقلات يعتقد أنها مرتبطة بـ “أسطول الظل” الروسي.
عثرت السلطات التركية قبل أشهر على زورق أوكراني جرفته الأمواج إلى شواطئ طرابزون، مما يشير إلى أن قدرات كييف البحرية قد تصل إلى محيط السواحل التركية. بالإضافة إلى ذلك، أبلغت المديرية العامة للشؤون البحرية عن حادث ثالث استهدف الناقلة “ميدفولغا-2” التي كانت تنقل زيت عباد الشمس من روسيا إلى جورجيا، على مسافة 80 ميلاً من الساحل التركي.
الدبلوماسية التركية والمصالح الإقليمية
تواجه تركيا، بصفتها دولة ساحلية في البحر الأسود وعضوًا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وضعًا دبلوماسيًا معقدًا. فمن جهة، تسعى أنقرة إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع كل من روسيا وأوكرانيا، نظرًا لأهمية هاتين الدولتين في التجارة والطاقة. ومن جهة أخرى، تلتزم تركيا بتوفير الأمن في منطقة البحر الأسود، وحماية مصالحها الإستراتيجية.
وتحرص أنقرة على التمسك بنوع من الحياد العملي، مع التأكيد على أهمية احترام القانون الدولي وحماية حرية الملاحة. وقد بدأت تركيا مشاورات مكثفة مع حلفائها في الناتو حول التطورات الأخيرة في البحر الأسود، بهدف تنسيق الجهود لضمان الاستقرار الإقليمي.
وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان على أن الهجمات على ناقلات مرتبطة بروسيا بالقرب من المياه التركية ترفع احتمالات احتكاك غير محسوب. وشدد على ضرورة تجنب أي تصعيد إضافي، والعمل على إيجاد حلول دبلوماسية للأزمة.
التداعيات الاقتصادية وسيناريوهات محتملة
لا تقتصر تداعيات التصعيد البحري على الجانب الأمني، بل تمتد أيضًا إلى المصالح الاقتصادية لتركيا. فقد يؤدي استمرار الهجمات إلى ارتفاع تكاليف التأمين والشحن، مما ينعكس سلبًا على أسعار الطاقة والحبوب التي تستوردها تركيا. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي ذلك إلى تغيير مسارات الملاحة، وتراجع حركة الترانزيت عبر الموانئ التركية.
يرى الخبراء الاقتصاديون أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو استمرار الهجمات المحدودة دون استهداف مباشر للسفن التركية. ومع ذلك، فإن أي تصعيد إضافي قد يدفع أنقرة إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة، مثل تعزيز الدوريات البحرية وتحديث قواعد الاشتباك.
في حال اقتراب الهجمات من السواحل التركية، قد تضطر أنقرة إلى تنويع ممرات التجارة وتحمل تكاليف إضافية مؤقتة. أما في السيناريو الأسوأ، فقد يتحول جزء من البحر الأسود إلى منطقة شبه مغلقة، مما يفرض إعادة هيكلة عميقة لمسارات التجارة التركية.
الخطوات القادمة والمستقبل
من المتوقع أن تواصل تركيا جهودها الدبلوماسية لتهدئة التوترات في البحر الأسود، وتجنب أي تصعيد إضافي. كما ستعمل على تعزيز التعاون مع حلفائها في الناتو لضمان الأمن في المنطقة. في الوقت نفسه، ستراقب أنقرة عن كثب التطورات على الأرض، وتستعد للتعامل مع أي سيناريوهات محتملة. وستظل الملاحة الآمنة في البحر الأسود أولوية قصوى لتركيا، نظرًا لأهميتها الإستراتيجية والاقتصادية.
ما يجب مراقبته في الفترة القادمة هو رد فعل روسيا وأوكرانيا على التحذيرات التركية، ومدى التزامهم باحترام القانون الدولي وحماية حرية الملاحة. كما يجب متابعة تطورات المفاوضات الدولية الرامية إلى حل الأزمة في أوكرانيا، وتأثيرها على الوضع في البحر الأسود.













