يكمن سر القلب الأكثر صحة وشبابًا في العصب المبهم. فقد أظهرت دراسة حديثة، أجراها باحثون في كلية سانت آنا للدراسات العليا في بيزا بإيطاليا ونشرت في مجلة “ساينس ترانسليشنال ميديسين”، أن الحفاظ على اتصال العصب المبهم القوي بالقلب يلعب دورًا هامًا في مكافحة الشيخوخة والحفاظ على وظائف القلب على المدى الطويل. هذه النتائج تفتح آفاقًا جديدة لفهم آليات صحة القلب والوقاية من الأمراض المرتبطة بالعمر.
أجريت الدراسة بمشاركة شبكة واسعة من المؤسسات الإيطالية والدولية، وتهدف إلى استكشاف العلاقة بين الجهاز العصبي اللاودي، وخاصة العصب المبهم، وصحة القلب والأوعية الدموية. وقد كشفت النتائج عن أهمية العصب المبهم الأيمن بشكل خاص في الحفاظ على خلايا عضلة القلب وحمايتها من التدهور المرتبط بالتقدم في العمر.
ما هو العصب المبهم وأهميته لصحة القلب؟
العصب المبهم هو أطول الأعصاب القحفية في الجسم، وهو جزء أساسي من الجهاز العصبي اللاودي. يلعب هذا الجهاز دورًا حيويًا في تنظيم العديد من الوظائف الحيوية اللاإرادية، بما في ذلك معدل ضربات القلب، وضغط الدم، والهضم، والجهاز المناعي. يُعتبر العصب المبهم بمثابة “طريقًا” ثنائي الاتجاه بين الدماغ والأعضاء الداخلية، حيث ينقل الإشارات الحسية والحركية.
تشير الأبحاث إلى أن قوة اتصال العصب المبهم بالقلب ترتبط ارتباطًا وثيقًا بصحة القلب وقدرته على التكيف مع التغيرات. فقد وجد الباحثون أن الأفراد الذين يتمتعون باتصال أقوى بالعصب المبهم يميلون إلى أن يكون لديهم معدل ضربات قلب أكثر انتظامًا، وضغط دم أكثر استقرارًا، وقدرة أفضل على التعافي من الإجهاد.
دور العصب المبهم الأيمن في حماية القلب
ركزت الدراسة بشكل خاص على دور العصب المبهم الأيمن في حماية خلايا عضلة القلب. وتبين أن هذا العصب يلعب دورًا حاسمًا في تنظيم استقلاب الطاقة في خلايا القلب، وحمايتها من التلف الناتج عن الإجهاد التأكسدي والالتهابات. حتى الاستعادة الجزئية للاتصال بين العصب المبهم الأيمن والقلب كانت كافية لمواجهة آليات إعادة تشكيل القلب والحفاظ على انقباضه الفعال، وفقًا لما ذكرته الدكتورة أنار دوشبانوفا، طبيبة القلب المشاركة في الدراسة.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الدراسة أن ضعف اتصال العصب المبهم بالقلب يرتبط بتسارع عملية الشيخوخة القلبية وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. وهذا يشير إلى أن تعزيز وظيفة العصب المبهم قد يكون استراتيجية واعدة للوقاية من هذه الأمراض وتحسين صحة القلب على المدى الطويل.
النهج التكنولوجي في تجديد العصب المبهم
لم تقتصر الدراسة على الجانب البيولوجي فحسب، بل شملت أيضًا تطوير تقنيات جديدة لتجديد العصب المبهم. قام فريق من المهندسين الحيوية بتطوير قناة عصبية قابلة للزرع والامتصاص الحيوي، مصممة لتعزيز وتوجيه التجدد التلقائي للعصب المبهم الصدري على مستوى القلب. هذه القناة تعمل كـ “سقالة” تساعد على نمو الألياف العصبية وتوصيلها بالقلب.
يقول يوجينيو ريدولفي ريفا، المؤلف المشارك لبراءة اختراع الأطراف الاصطناعية العصبية، إن هذه التقنية الجديدة يمكن أن تساعد في استعادة وظيفة العصب المبهم في المرضى الذين يعانون من تلف عصبي أو ضعف في الاتصال العصبي.
تفتح هذه النتائج مجالات جديدة في جراحة القلب والصدر وزراعة الأعضاء، حيث تشير إلى أن استعادة اتصال العصب المبهم القلبي أثناء الجراحة قد يمثل إستراتيجية مبتكرة لحماية القلب على المدى الطويل. بدلاً من مجرد إدارة المضاعفات المتأخرة المرتبطة بالشيخوخة المبكرة للقلب، يمكننا الآن التركيز على الوقاية منها.
من المتوقع أن تستمر الأبحاث في هذا المجال لاستكشاف إمكانات العصب المبهم كهدف علاجي جديد لأمراض القلب والأوعية الدموية. سيتم التركيز على تطوير علاجات جديدة لتعزيز وظيفة العصب المبهم وتحسين صحة القلب، بالإضافة إلى إجراء المزيد من الدراسات السريرية لتقييم فعالية هذه العلاجات في المرضى. من المرجح أن نشهد في السنوات القادمة تطورات كبيرة في هذا المجال، مما قد يؤدي إلى تحسين نوعية حياة الملايين من الأشخاص الذين يعانون من أمراض القلب.
المصدر: الجزيرة + مواقع إلكترونية + يوريك ألرت













