في عالمٍ يشهد تحولاً غير مسبوق في بنية المعرفة والإنتاج، برز الذكاء الاصطناعي كقوة ثورية تقلب موازين الصناعات وتعيد تشكيل طبيعة العمل والابتكار. ويؤكد رائد عبد العزيز رمضان، أحد أبرز قادة التحول الرقمي في الشرق الأوسط، أن هذه الثورة لا تتعلق بالمستقبل فحسب، بل هي واقع يومي يتطلب منا جميعًا فهمًا عميقًا لأساسيات الذكاء الاصطناعي، وتحديدًا الذكاء الاصطناعي التوليدي، وإتقان فن صياغة الأوامر النصية (Prompt Engineering) لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذه التقنية.
الذكاء الاصطناعي ليس رفاهية… بل ضرورة
يقول رمضان، المدير العام لشركة “ويكريت للحلول المتقدمة”، إن فهم الذكاء الاصطناعي أصبح ضرورة مهنية وشخصية، وليس رفاهية تقنية. فمن لا يُتقن أدوات الذكاء، سيتحول إلى مستهلك فقط في عالم تقوده الخوارزميات. ومن يتقنها، سيصبح من صُنّاع القرار والمستقبل.
ويضيف:
“الثورة الصناعية حوّلت العامل إلى مشغّل آلة، أما ثورة الذكاء الاصطناعي، فهي تحول الإنسان إلى مخرجٍ للبيانات وقائدٍ للذكاء”.
ما هو الذكاء الاصطناعي التوليدي؟
الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) هو فرع متقدم من الذكاء الاصطناعي، يُتيح للآلات إنشاء محتوى جديد، من نصوص وصور وأصوات وحتى برمجيات، بدلاً من الاكتفاء بتحليل بيانات موجودة. ويعتمد هذا الذكاء على نماذج لغوية ضخمة (مثل GPT وBard وClaude)، تم تدريبها على مليارات الجمل والمفاهيم.
وفقًا لـ رائد عبد العزيز رمضان، فإن الذكاء التوليدي لم يعد مجرد أداة دعم، بل أصبح شريكًا في الإبداع والتحليل واتخاذ القرار.
“ما تكتبه من أمرٍ نصيّ (prompt)، قد يُنتج سيناريو لفيلم، أو خطة تسويقية، أو حتى نموذجًا ماليًا كاملاً. كل ذلك يعتمد على صياغتك، وفهمك لآلية التفكير الآلي”، يقول رمضان.
إتقان أساسيات الذكاء الاصطناعي: نقطة الانطلاق الحقيقية
لكي تصبح جزءًا فاعلًا من هذه الثورة، يجب البدء بفهم الأساسيات التالية:
- التمييز بين الذكاء الاصطناعي الضيّق والعام:
الذكاء الاصطناعي الضيّق (ANI) هو ما نستخدمه اليوم (مثلاً ChatGPT، توصيات نتفليكس).
الذكاء الاصطناعي العام (AGI) هو ما يُطمح إليه، ليحاكي عقل الإنسان بشكل شامل.
- فهم آلية التعلم العميق:
يعتمد الذكاء الاصطناعي على الشبكات العصبية التي تحاكي طريقة تفكير الدماغ البشري.
- البيانات هي الوقود:
كلما زادت دقة وجودة البيانات التي تُغذى للنموذج، زادت جودة المخرجات.
صياغة الأوامر النصية: المهارة الجديدة الأكثر طلبًا
تُعد صياغة الأوامر النصية الذكية (Prompt Engineering) حجر الزاوية في استخدام الذكاء التوليدي بفعالية. وتكمن المهارة هنا في:
- طرح الأسئلة الدقيقة
- تحديد السياق المطلوب
- استخدام تنسيقات محددة (كأن تطلب جدولًا، مخططًا، نصًا بأسلوب معين)
ويوضح رمضان:
“من يتقن فن كتابة الأوامر، يوجه الذكاء الاصطناعي كما يشاء. ومن لا يتقنه، يظل حائرًا بين مخرجات سطحية”.
كيف نُدرّب أنفسنا على هذه المهارات؟
بحسب رمضان، هناك خارطة طريق يمكن أن يتبعها الأفراد والفرق، وتتضمن:
- الالتحاق بدورات في الذكاء الاصطناعي التوليدي وصياغة الأوامر
- التجربة المستمرة مع أدوات مثل ChatGPT وMidjourney وClaude
- تحليل المخرجات وتعلم منطق النظام
- متابعة مجتمعات الذكاء الاصطناعي العالمية (مثل GitHub, Reddit AI, OpenAI forums)
تأثير الذكاء الاصطناعي على قطاعات العمل
رصدت ويكريت للحلول المتقدمة، برئاسة رمضان، تطبيقات حقيقية للذكاء الاصطناعي التوليدي في أكثر من 30 مشروعًا في السعودية والإمارات وتركيا. ومن أبرز القطاعات المتأثرة:
- التعليم: إعداد دروس شخصية في ثوانٍ.
- الصحة: تحليل صور الأشعة والتشخيص الأولي.
- الإعلام والتسويق: كتابة محتوى احترافي، إنتاج فيديوهات، تحليل سلوك الجمهور.
- العقارات والخدمات: التوصية بأفضل المواقع بناءً على رغبات العملاء.
- القانون: مراجعة العقود واكتشاف الثغرات.
ويؤكد رمضان أن نجاح هذا التحول لا يتوقف على توفر التقنية فقط، بل على القدرة البشرية على توجيهها بذكاء.
فرص ومخاطر الثورة
كما أن لكل ثورة فرصًا، فإن لها أيضًا تحديات كبيرة، ومن أهمها:
- فقدان الوظائف التقليدية
- الاعتماد المفرط على الخوارزميات
- التمييز الخوارزمي
- البيانات المضللة الناتجة عن الذكاء التوليدي
ويُشدد رمضان على أهمية وجود أطر أخلاقية وتشريعية لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي، مع ضمان حفظ حقوق الأفراد والمؤسسات.
دور القيادة في تمكين الذكاء الاصطناعي
في حديثه عن دور القيادة في تبنّي الذكاء الاصطناعي، يقول رائد رمضان:
“الذكاء الاصطناعي ليس قرارًا تقنيًا، بل قرار استراتيجي في قلب التخطيط المؤسسي. من لا يدرجه في رؤيته، سيتأخر عن الركب.”
لذلك، تعمل “ويكريت” على بناء “مساعدات ذكية” خاصة بالقطاعات (Agents) تُوظّف نماذج ذكاء اصطناعي مخصصة حسب نوع الصناعة واحتياجاتها، وتُدمج مع أنظمة الأعمال.
المستقبل لمن يتعلم الآن
يختم رمضان مقاله برسالة تحفيزية:
“الذكاء الاصطناعي سيغير كل شيء. لكن من سيتغير معه، هو من يُتقن الأساسيات، ويفهم المنطق، ويتعلم صياغة الأوامر. لا تنتظر أن يتغير العالم… ابدأ بتغيير أدواتك اليوم.”