رفعت شركة بالادا الروسية لتجارة الحبوب دعوى قضائية ضد المؤسسة العامة لتجارة وتخزين وتصنيع الحبوب في سوريا بقيمة 10.7 مليار روبل (حوالي 135 مليون دولار أمريكي). تأتي هذه الخطوة القانونية في ظل نزاع تجاري متصاعد يتعلق بتوريد القمح، حيث كانت روسيا المورد الرئيسي لهذا المحصول الاستراتيجي لسوريا. القضية، والتي تم إيداعها في المحكمة التجارية في موسكو في العاشر من ديسمبر، تُلقي الضوء على التحديات التي تواجه التجارة بين البلدين.
نزاع حول تجارة القمح مع سوريا
تعتبر هذه الدعوى القضائية هي الثانية من نوعها التي ترفعها بالادا ضد كيانات حكومية سورية هذا العام. ففي يونيو الماضي، قدمت الشركة مطالبة مماثلة ضد مصرف سوريا المركزي وشركة حبوب حكومية أخرى بقيمة 5.6 مليار روبل. يشير هذا التكرار إلى وجود مشكلة أعمق تتعلق بتسوية الدفعات مقابل شحنات القمح السابقة.
أقامت شركة بالادا هذه الدعاوى بعد توقف الإمدادات الروسية من القمح إلى سوريا في ديسمبر 2024، وهو التوقف الذي يعزى إلى تأخيرات في السداد، وفقًا لتقارير رويترز. بالادا، التي تأسست في عام 2022 ردًا على العقوبات الغربية المفروضة على شركات تجارة الحبوب الروسية الأخرى، نمت بسرعة لتصبح لاعباً رئيسياً في السوق الروسي.
أهمية القمح لسوريا
تعتبر سوريا من الدول المستوردة للقمح بشكل كبير، حيث يقدر احتياجها السنوي بأكثر من 2.5 مليون طن. ومع ذلك، تشير التقديرات إلى انخفاض الإنتاج المحلي للقمح إلى أقل من مليون طن، مقارنة بمستوى 4 ملايين طن في السابق. هذا الانخفاض في الإنتاج المحلي يزيد من اعتماد سوريا على الواردات لتلبية احتياجاتها الغذائية الأساسية.
يأتي هذا النزاع في وقت تواجه فيه سوريا تحديات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك انخفاض قيمة الليرة السورية وارتفاع معدلات التضخم. تؤثر هذه العوامل سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين وتزيد من صعوبة توفير الغذاء.
في محاولة لتعزيز الإنتاج المحلي، أطلقت وزارة الزراعة السورية في الشهر الماضي مبادرة “القرض الحسن” لدعم مزارعي القمح. تتضمن هذه المبادرة توفير قروض عينية بدون فوائد للمزارعين لتغطية تكالفي البذور والأسمدة اللازمة لزراعة محصول القمح للموسم القادم. تهدف هذه الخطوة إلى زيادة الإنتاجية وتحسين الأمن الغذائي في البلاد.
الأزمة السورية المستمرة أثرت بشكل كبير على قطاع الزراعة، مما أدى إلى تدهور البنية التحتية الزراعية ونزوح العديد من المزارعين. الضعف في قطاع الزراعة يفاقم من التحديات التي تواجهها البلاد في تأمين إمدادات كافية من الغذاء.
ورفضت المحكمة الروسية في أغسطس الماضي طلبًا تقدمت به بالادا بشأن اتخاذ تدابير مؤقتة، مثل تجميد أصول المؤسسات السورية في روسيا. يعكس هذا القرار صعوبة فرض إجراءات قانونية في هذه المرحلة، وربما يشير إلى تعقيدات دبلوماسية وقانونية مرتبطة بالقضية. تُعد مشكلة الديون المتراكمة عقبة رئيسية أمام استئناف التجارة السلسة بين البلدين.
بالإضافة إلى القمح، تعتبر سوريا مستوردًا رئيسيًا للعديد من المحاصيل الغذائية الأخرى، مما يجعلها عرضة لتقلبات الأسعار العالمية وظروف الإمداد. تعتبر هذه القضية مثالًا واضحًا على المخاطر التي تواجهها الدول المستوردة للغذاء في ظل الظروف الجيوسياسية والاقتصادية غير المستقرة.
من المتوقع أن تتلقى المحكمة الروسية ردًا من المؤسسة العامة السورية للحبوب خلال الأسابيع القادمة. سيكون هذا الرد حاسمًا في تحديد مسار القضية وما إذا كانت ستؤدي إلى تسوية ودية أو إلى إجراءات قانونية مطولة. يجب مراقبة تطورات هذه القضية عن كثب، حيث أنها قد تؤثر بشكل كبير على إمدادات القمح إلى سوريا وعلى العلاقات التجارية بين البلدين. كما أن نتيجة هذه القضية قد تحدد المعايير القانونية لتسوية النزاعات التجارية المستقبلية بين روسيا وسوريا والجهات الأخرى.













