تتربّع ساحة المرجة في قلب دمشق الحديثة، كجوهرة من حجر وزمان، تُوزّع أنفاس المدينة على جهاتها الأربع. تتقاطع فيها طرق الناس وتلتقي عندها الوجوه والذكريات؛ تاجر خرج من الحميديّة، وموظف قصد دوائر الدولة، وطالب ينتظر الحافلة، وزائر يلتقط صورته تحت البرج المعدني الذي صار توقيعا مرئيا لوسط المدينة.
منذ الفجر يبدأ المشهد بإيقاع متصاعد: عربات الخبز والجرائد، وباعة الزهور، وموظفون يحملون الملفات والحقائب، حتى تغدو الساحة عند الظهيرة صحنا نابضا بالحركة تضبطه إشارات المرور كأنها مايسترو أوركسترا المدينة، ومع الغروب تتوهج الواجهات وتشتعل النوافير بماء يردد اسم المرجة ومعناه.
شبكة المكان في الجغرافيا الدمشقية
تشكل المرجة نسيج وصل حيّا بين الأسواق المغطاة والجامع الأموي من جهة، والمباني الإدارية في الشمال ومحطة الحجاز في الجنوب، ما جعلها ساحة مواعيد وملتقى عمال وطلاب وزوار يقفون على أرصفتها صباحا ومساء.
تتجلّى ملامح الساحة في البرج التذكاري، والنسيج المعماري، والحدائق والنوافير، والعقد المروريّة التي تلتقي عندها محاور النصر والثورة وخالد بن الوليد.
الاسم الذي يُنبت المعنى
استمدت المرجة اسمها من “المرج”؛ الأرض الخضراء التي تكسوها الأعشاب وتغمرها مياه بردى. كانت قديما منخفضا خصبا تحيطه السواقي والبساتين، يتحول في الربيع إلى بساط أخضر لامع.
وفي أواخر القرن التاسع عشر، ومع مشروع ناظم باشا لتحديث دمشق، جُفّفت المستنقعات وسُوّيت الأرض وزُرعت الأشجار، لتتحول إلى ساحة حجرية حديثة بقيت تحمل اسمها تذكيرا بأصلها المائي.
الموقع.. ملتقى الجهات ومرآة المدينة
تتربع ساحة المرجة في قلب دمشق النابض، عند نقطة تجمع بين الماضي والحاضر، وتفتح أبوابها على الجهات الأربع كأنها ميزان المدينة الذي يضبط الإيقاع ويوزع الأنفاس.
تُجاور من الشرق الأسواق التاريخية؛ الحميدية، البزورية، مدحت باشا، ومن الغرب الأبنية الحديثة بما تحويه من إدارات وفنادق ومصارف، ومن الجنوب محاور الميدان وامتداد شارع خالد بن الوليد، ومن الشمال الوزارات والساحات الرسمية مثل يوسف العظمة والأمويين.
ملامح الساحة وصفاتها
تتجلّى ساحة المرجة كفسحة مركزية فسيحة في قلب دمشق الحديثة، تجمع بين الجمال الهندسي والرمزية التاريخية.
يتوسّطها البرج التذكاري الذي شُيّد عام 1907 في عهد السلطان عبد الحميد الثاني تخليدا لدخول التلغراف إلى دمشق وربطها بإسطنبول.
مرجة الذاكرة والرمز
رأت المرجة مواكب الاحتفالات والتشييع، واحتضنت وقفات الحزن في صباحات مايو/أيار، وشهدت مواسم التظاهر والخطابة.
كما تُعد الساحة مرآة مفتوحة على الذاكرة الوطنية ومسرحا لأحداث كبرى رسّختها في الضمير العربي.
الواقع الراهن.. ساحة مزدحمة بوجوه الأزمنة
تنهض ساحة المرجة مع الفجر على إيقاع متدرج يزداد كثافة ساعة بعد ساعة.
ومع الثامنة تبدأ الذروة الأولى؛ تدفق كبير للموظّفين نحو المباني الإدارية والمصارف وحركة حافلات وسيارات أجرة تتوزع على محاور النصر والثورة وخالد بن الوليد.
التحديات المستقبلية.. توازن بين الذاكرة والتحديث
تتقدم ساحة المرجة نحو مستقبل مزدحم بالأسئلة يقف عند مفترق دقيق بين الوفاء للماضي والاستجابة لمقتضيات الحاضر.
مركزها الحيوي ومكانتها الرمزية يفرضان عليها أن تكون نموذجا في صون التراث وإدارة الحداثة معا، مشروعا متكاملا يُنصف التاريخ ويحسن خدمة المدينة.
الحاجة الملحّة إلى ترميم شامل للأبنية التاريخية المحيطة بالساحة، وإعادة تأهيلها بموادها الأصلية.
وضرورة تنظيم الحركة وإعادة إحياء الفضاء الإنساني، وتجميل المشهد وتفعيل الحضور البصريّ.
وتحويلها إلى فضاء ثقافي حي، وإدارة ذكية للمساحات التجارية والخدمية.
ورؤية مستدامة للمستقبل، بإدماج الساحة ضمن إستراتيجية التنمية المستدامة للعاصمة.













