أصدرت إدارة ترامب مؤخرًا استراتيجيتها للأمن القومي، والتي تمثل تحولًا جذريًا في السياسة الخارجية الأمريكية وأعادت تعريف دور الولايات المتحدة في الشؤون العالمية. تركز هذه الاستراتيجية الجديدة على حماية المصالح الوطنية الأمريكية، وتعزيز القدرة الاقتصادية، وإعادة تأكيد التفوق الأمريكي، مما يمثل تغييرًا كبيرًا عن عقود من السياسات التقليدية. وتثير هذه الوثيقة جدلاً واسعًا حول مستقبل النظام الدولي وتأثيرها على الحلفاء والخصوم على حد سواء.
تتميز الوثيقة المكونة من 33 صفحة بأسلوب سردي غير تقليدي، حيث تركز على دور الرئيس كبطل للقصة أكثر من التركيز على الدولة أو الأمة. هذا النهج يجعل الوثيقة تبدو كبيان أيديولوجي يهدف إلى الجمهور الداخلي أكثر من كونه خطة أمن قومي تقليدية. وتؤكد الاستراتيجية على أن أمريكا لن ترهق نفسها بعد الآن في صراعات بعيدة أو تقدم الدعم المالي لحلفائها الأثرياء، بل ستركز على “مصالحها الوطنية الجوهرية” مثل أمن الحدود والهيمنة الاقتصادية.
إعادة تعريف الأمن القومي
تدور الاستراتيجية الأمريكية الجديدة حول مفهوم جديد للأمن القومي، حيث تُعامل قضايا الهجرة والاتجار بالمخدرات كتهديدات أساسية. هذا التصور يختلف عن الوثائق الإستراتيجية السابقة، ويشير إلى أن التغيير الديموغرافي ومشكلات الحدود تمثل تهديدات وجودية. وتؤكد الوثيقة على أن المصلحة الوطنية الأمريكية يجب أن تتجاوز التحالفات التقليدية والسياسة الخارجية القائمة على القيم.
وتنص الاستراتيجية صراحة على أن الولايات المتحدة يجب أن تحمي نفسها من الهجرات غير المقيدة والتهديدات العابرة للحدود مثل الإرهاب والمخدرات. ولتحقيق ذلك، تدعو إلى نشر قوات لتأمين الحدود وهزيمة الكارتلات، بما في ذلك استخدام القوة المميتة عند الضرورة. هذا يمثل قطيعة حاسمة مع الإطار السابق الذي عالج الهجرة كقضية إنسانية واقتصادية.
ملحق ترامب لمبدأ مونرو
تطرح الخطة ما يسمى بـ “ملحق ترامب لمبدأ مونرو”، وهو تحديث للإستراتيجية التاريخية التي تسعى إلى استعادة الهيمنة الأمريكية في نصف الكرة الغربي. وتنص على أن الولايات المتحدة ستدعم الحكومات والأحزاب السياسية التي تتوافق مع مبادئها وإستراتيجيتها، مما يثير تساؤلات حول التدخلات المحتملة في أمريكا اللاتينية.
بالإضافة إلى ذلك، تركز الاستراتيجية على تعزيز القوة الصناعية الأمريكية كعنصر أساسي للأمن القومي. وتدعو إلى إعادة توطين الصناعات وتأمين الوصول إلى سلاسل التوريد والمواد الحيوية، بهدف تقليل الاعتماد على الواردات من القوى الخارجية. وتؤكد الوثيقة على أهمية الهيمنة في قطاع الطاقة والتمويل الرقمي والابتكار.
التداعيات الجيوسياسية
يمثل هذا التحول في السياسة الخارجية الأمريكية تداعيات بعيدة المدى على الحلفاء والخصوم على حد سواء. فرفض الاستراتيجية للتحالفات التقليدية والسياسة الخارجية القائمة على القيم قد يؤدي إلى توترات مع الحلفاء التقليديين، خاصة في أوروبا. كما أن التركيز على المصالح الوطنية قد يؤدي إلى صراعات حول مناطق النفوذ.
وتشير الاستراتيجية إلى أن الولايات المتحدة ستركز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ ونصف الكرة الغربي، مما قد يؤدي إلى تقليل الاهتمام بالشرق الأوسط وأفريقيا. هذا التحول قد يخلق فراغًا في السلطة في هذه المناطق، مما يسمح للقوى الأخرى بملء الفراغ.
تأثير على العلاقات مع الصين
تعتبر الاستراتيجية الجديدة الصين منافسًا اقتصاديًا واستراتيجيًا رئيسيًا. وتدعو إلى مواجهة الممارسات الاقتصادية الصينية الجشعة وتأمين الوصول إلى سلاسل التوريد والمواد الحيوية. ومع ذلك، فإن الاستراتيجية لا تستبعد التعاون مع الصين في المجالات التي تخدم المصالح الأمريكية.
تتضمن الاستراتيجية أيضًا انتقادات للإدارات السابقة التي سعت إلى هيمنة أمريكية دائمة على العالم على حساب رفاه الشعب الأمريكي. وتدعو إلى إعادة تقييم التحالفات والالتزامات الدولية، والتركيز على تعزيز القدرة الصناعية الأمريكية.
الخطوات التالية
من المتوقع أن تبدأ إدارة ترامب في تنفيذ هذه الاستراتيجية من خلال سلسلة من الإجراءات، بما في ذلك إعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية، وزيادة الإنفاق العسكري، وتشديد القيود على الهجرة. وسيكون من المهم مراقبة كيفية استجابة الحلفاء والخصوم لهذه الإجراءات، وكيف ستؤثر على النظام الدولي. من المرجح أن تشهد الأشهر القادمة نقاشات حادة حول هذه الاستراتيجية وتداعياتها المحتملة.













