في حادثة أثارت استياءً واسعاً بين سكان العاصمة دمشق، اقتحم فصيل مسلح مكون من نحو 16 عنصراً ملهى ليلي في ساحة المحافظة قبل عدة أيام.
وبحسب تفاصيل حصلت عليها يورونيوز أن الفصيل اقتحم الملهى وقام مسلحوه بإطلاق النار داخل المكان ودمروا جزءاً كبيراً من معداته، وأرغموا زوّاره على النزول إلى الأرض، واعتدوا بالضرب على عدد من الشبان والشابات، وجرّدوهم من مصاغهم الذهبي وهواتفهم وأموالهم إذافة إلى سرقة خزينة الملهى.
الواقعة التي انتشر جزء منها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت كيف وقف عناصر مسلّحون يرتدون زياً عسكرياً، وبدؤوا يضربون ويطلقون التهديدات بحق كل من يحاول الخروج من الملهى، مع تجاوزات لفظية طالت الحياة الشخصية للمواطنين.
ورغم حضور سبعة من عناصر الشرطة إلى المكان، إلا أن هؤلاء اكتفوا بالمراقبة دون التدخل المباشر حرصاً على عدم اندلاع اشتباكات عنيفة قد تودي بحياة الموجودين في الملهى الحادث، حسب إفادات الشهود. وبعد دقائق طلبوا دعم القوات الأمنية التي قامت بملاحقة عناصر الفصيل على الفور.
ويوضح أحد سكان منطقة ساحة المحافظة ليورونيوز- الذي طلب عدم ذكر اسمه خوفاً من ملاحقة أمنية-، أن المنطقة معروفة تاريخياً باحتوائها على العديد من النوادي الليلية والمراكز الثقافية والترفيهية، وقال: “في منطقة ساحة المحافظة هناك ملاه موجودة منذ عقود. والملهى الذي تعرض للاقتحام مؤخراً، يوجد في مبنى فيه به ملهى آخر لم يتم الاعتداء عليه.”
ومضى في شرحه قائلا: “على بعد أمتار فقط، يوجد فندق تابع للمحافظة يحتوي على ملاه ليلية أيضاً، لكن اشتُرط عليها عدم تقديم المشروبات الروحية إذا كان تريد الاستمرار في نشاطها. هذا يدل على أن هناك تنظيماً سابقاً وتفاهماً مع الجهات الرسمية.” وفق تعبيره.
اعتقال عناصر عسكرية متورطة في حادثة الملهى
وبعد تداول الفيديو بشكل واسع، أعلنت وزارة الداخلية السورية، عبر مكتبها الإعلامي، توقيف عدد من الجنود المتورطين في الحادثة، وإحالتهم إلى القضاء، مؤكدة أن “سيادة القانون هي الأساس”، وأن “أي تجاوز أو اعتداء على المواطنين سيُقابل بإجراءات قانونية صارمة”.
لكن هذه الإجراءات لا تزال تثير شكوكا لدى الكثير من السوريين الذين اعتادوا على سماع البيانات الرسمية دون أن يلمسوا محاسبة فعلية على الأرض.
وقال أحد سكان دمشق ليورونيوز -طلب عدم ذكر اسمه خوفاً من الملاحقة الأمنية-: “من المعيب أن يقتحم فصيل مسلح مكاناً حتى لو كان ملهى ليليا، بدون وجود شكوى مسبقة أو تدخل أمني مدروس. اليوم الساحة للفصائل، وكل جهة تتحرك كيفما تشاء، تسرق، تعتدي، وتفلت من العقاب” حسب تعبيره.
انتهاكات مستمرة.. حريات مهدورة
الحادثة المشار إليها ليست الأولى من نوعها، بل تندرج ضمن سلسلة طويلة من الانتهاكات التي تستهدف الحريات العامة والممتلكات الخاصة في سوريا. ففي الأشهر الماضية، كثرت الحوادث التي قام فيها عناصر من الجيش أو الفصائل المسلحة بتفتيش الهواتف المحمولة في الشوارع، ومنع الشباب والفتيات من الجلوس معاً في الأماكن العامة أو الاختلاط في وسائل النقل الجماعي، مع التهديد والوعيد والضرب.
ففي واحدة من هذه الحالات، تم الاعتداء على مجموعة من الشبان المسيحيين في مدينة حماة، حيث جرى ضربهم وحلق رؤوسهم فقط لأنهم كانوا يجلسون مع صديقاتهم في مكان عام، تبعها تصريح من الأمن العام يشير إلى اعتقال أحد المشاركين في الحادثة وان القائمين بهذا الفعل عناصر لا تتبع لهم.
ويروي “سالم” -اسم مستعار- من منطقة محردة بريف حماة، قصة أخرى مماثلة، عندما تعرض شاب من قريته للشتم من قبل عناصر أمنية لأنه كان يرتدي “شورت” رياضيا في الشارع، لأنهم اعتبروا ذلك “خرقاً للذوق العام”، وقد حذروه من مغبة تكرار “فعلته” وإلا فسيواجه “عواقب أشد”.
اللثام والزي الغريب لقوات الأمن يثيران مخاوف السكان
وقالت المواطنة سلوى -اسم مستعار- من العاصمة دمشق: “طالبنا مراراً بأن يكون الأمن العام بلا لثام، لنطمئن. البعض التزم بتوجيهات وزارة الداخلية، لكن الأغلبية لم تفعل. لا نعرف هوية صاحب اللثام، من يهجم على البيت، من يفتش الهاتف. الكل ملثم، يرتدي الأسود، ولحاهم طويلة وغير مشذّبه. هذا المنظر وحده كافٍ لإثارة الخوف، فكيف إذا كانت هذه العناصر تابعة لفصائل مسلحة انضمت إلى الجيش دون نظام أو انضباط واضح؟”.
وأضافت: “لا أعتبر هذا تعدياً على حريتهم الشخصية، بل هو نظام مؤسساتي موجود في كل العالم. حتى الناس تثق أننا دولة، ويلتزم الجميع بتطبيق القانون، وعدم خرق الدستور والحريات التي أتاحها. الشرطة والأمن في كل دول العالم لديهم زي موّحد، ولباس رسمي، وليسوا بشعر طويل، ولباس غير موحّد، ولحى غير مرتبة. هذا ليس تفصيلاً صغيراً، بل جزء من هيبة الدولة”.
مع تصاعد هذه الانتهاكات، يعيش الكثير من المدنيين حالة من الخوف والقلق، ويقول أحد المواطنين ليورونيوز: “اليوم يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة من حياتنا، يحددون لنا كيف نلبس، كيف نجلس، مع من نتحدث… ليس هناك من يردعهم، فقط بيانات إدانة هنا وهناك، ولا شيء على أرض الواقع. هم أصبحوا خطراً علينا جميعاً”.
ويرى كثيرون أن الحل لا يأتي فقط بإعلان توقيف من يقوم بالانتهاكات، بل بمحاسبة حقيقية علنية، وتطبيق القانون على الجميع دون تمييز، وبإعادة النظر في تركيبة بعض الوحدات الأمنية التي باتت تشكل مصدر قلق للمواطنين بدلاً من أن تكون ضمانة لهم.