ربما للمرة الأولى يستقبل المشهد الثقافي في السعودية كتابًا توثيقيًا عن الصحافة الثقافية في الثمانينات.
الكتاب المنتظر صدوره قريبًا عن دار جداول للنشر والترجمة للباحث والمصوّر السعودي أثير السادة يحمل عنوان «مرابد الثقافة» يوثّق لأهمّ مرحلة مرّت بها الصحافة الثقافية في السعودية.
وصف السادة لـ«عكاظ» كتابه بأنّه شذرات وفصول ساخنة من صحافة الثمانينات الميلادية، وهي الفترة التي عدّها الباحث «ربيع الصحافة الثقافية» في السعودية، وهو تجوال حرّ داخل أرشيف الصحف المحلية في حقبة الثمانينات، وفي فصول الثقافة منها تحديدًا، يقلّب فيه الوجوه والأسماء، والعناوين والمناسبات، بحثًا عن حكايات سمع عنها أو تلصّص على مشهدها في التسعينيات من القرن الماضي.
السادة أكّد أنّه لم يكن هناك هدف واضح في بداية الأمر وهو يقع على كنز كبير في ردهات النت، كنز يجمع ما تساقط من صحف الأمس، ويجعلها متاحة للعابرين من أمثاله، غير أن الوقوف على أطلال الثقافة حرّضه على صياغة الكثير من الأسئلة، عن الفارق بين أسئلة الثقافة بين الأمس واليوم، عن لغة المثقفين وطبيعة حضورهم في المشهد الثقافي، عن الأسماء التي تسيّدت والأخرى التي توارت عن الأنظار، ويضيف، الكتاب لا يحاول الإجابة عن شيء، غير أنه يطمع في تقريب الصورة وتكبيرها، خصوصا أن هنالك شهادات قدّمت لاحقًا عن تلك المرحلة بكل مخاضاتها وسجالاتها، لذلك تبدو الكتابة وكأنها ومضات متكررة على أبرز المنعطفات، وأشرس السجالات في حقبة الثمانينات، وبالخصوص كلما اقتربنا من نهاية ذلك العقد، حيث المشهد الثقافي هو صدى للمشهد الاجتماعي والسياسي بطول الإقليم، يبلغ ذروته في الاشتباك بين أصوات تطمع لتحويل سيرورة التحولات الاجتماعية والاقتصادية إلى صيرورة ثقافية، وإلى تحديث في البنية الفكرية للمجتمع.
ويلفت السادة إلى قصيدة النثر آنذاك وأنها كانت الرافعة لهذه التشوفات الثقافية، ولهذا مثّلت التجارب الشعرية مختبرًا فكريًا ونقديًا، وموضعًا لاختبار وعود الحداثة التي كان يبشّر بها الفريق الذي تسيّد مشهد الصحافة الثقافية في الثمانينات، الحداثة التي فتحت باب الصراع على مصراعيه بين الحداثيين أنفسهم، وبينهم وبين فريق المحافظين من الذين استعاروا كل الشطحات التي عرفها مشهد الحداثة عربيًا وعالميًا لمحاكمة الحداثة والهجوم عليها.
أخبار ذات صلة
ويؤكد السادة أنّنا أمام مرايا الملاحق والصفحات الثقافية يمكننا مشاهدة الارتباكات التي عرفها المشهد عمومًا، والمحمولة على حماسة الشباب من المثقفين الذين كانوا في مطلع العشرين والثلاثين من أعمارهم، نشاهد الخصومات والاتجاهات التي تولّدت على هامش القصيدة الحديثة، حول الغموض والرمزية تارة، وحول جدارة الأدوات النقدية تارة أخرى، سجالات هنا ومناكفات هناك، قبل أن تتحول إلى لحظة اصطدام علني مع الخطاب الديني الذي بلغ ذروته مع صدور كتاب «الحداثة في ميزان الإسلام»، لتبدأ من هناك لغة تبريرية، ولهجة حذرة عند محرري الملاحق الثقافية.
الكتاب (كما قال السادة) لا يدّعي بأنه يقدم حكايته الخاصة للحداثة، ولا تغطيته الكاملة لفصول صراعاتها، غير أنه يحاول القبض على شذرات منها، وهو يتتبع إيقاع الحياة داخل الملاحق الثقافية وخارجها، ويمسك بخيوط الصراع المتواري في أروقة الثقافة آنذاك، معتمدًا على صحف عكاظ واليوم والرياض والندوة والمسائية والمدينة، والأعداد المهمة من مجلة اليمامة ومجلة الشرق في التوثيق، ومبرزًا السجالات التي دارت حول مفهوم الحداثة، وكتاب الخطيئة والتكفير، وحملات ملحق الندوة على نشاط الحداثيين، والحضور النقدي في المشهد الشعري، وانتهاء بالصدام مع وجوه الصحوة الدينية.
«عكاظ» علمت أنّ في الكتاب ما يزيد على أربعين وثيقة من قصاصات الصحف، لذلك تواصلت مع دار جداول للنشر والترجمة لمعرفة المزيد عن الكتاب وتعريف القارئ بمحتواه وأبرز الموضوعات التي وثّق لها السادة، إلاّ أنّ الدار أكدت أن الكتاب لم يصدر بعد، وأنّه سيكون متاحًا في منافذ البيع قريبًا.
السادة بدوره راهن لـ«عكاظ» على أن الكتاب سيكون جديرًا بالحفاوة والاهتمام.