أعلنت السلطات الروسية عن حظر تدريجي لتطبيق المراسلة الشهير واتساب، في خطوة تهدف إلى استبداله بتطبيق محلي جديد باسم “ماكس”. يأتي هذا القرار في ظل تزايد المخاوف الأمنية المتعلقة بتبادل البيانات، ورغبة موسكو في تعزيز سيطرتها على الفضاء الرقمي. وقد أثار هذا الإجراء ردود فعل متباينة بين المواطنين والخبراء.
بدأ تطبيق الحظر بشكل تدريجي في أواخر ديسمبر 2024، مع تحذيرات للمستخدمين من إمكانية فرض غرامات على الاستمرار في استخدام واتساب. وتبرر الحكومة الروسية هذا الإجراء بأنه ضروري لحماية المواطنين من التهديدات الأمنية، ومنع وصول الاستخبارات الأوكرانية والجماعات المتطرفة إلى معلوماتهم الشخصية. وتشير التقديرات إلى أن ملايين الروس يستخدمون واتساب يوميًا للتواصل.
حظر واتساب: دوافع وأسباب القرار
وفقًا لتصريحات عضو مجلس الدوما الروسي، نيكولاي نوفيتشكوف، فإن استمرار استخدام واتساب يعرض بيانات المواطنين الروس للخطر، ويساهم في تسهيل الأنشطة الإجرامية التي تتسبب في خسائر مالية تقدر بمليارات الروبلات. ويعتبر نوفيتشكوف أن التطبيق لا يوفر مستوى كافيًا من الأمان لحماية المعلومات الحساسة.
المخاوف الأمنية والرقابة الرقمية
تأتي هذه الخطوة في سياق جهود روسيا المتزايدة لتعزيز الرقابة على الإنترنت، وتقليل الاعتماد على المنصات الأجنبية. وقد فرضت روسيا بالفعل قيودًا على العديد من مواقع التواصل الاجتماعي الغربية، بما في ذلك فيسبوك وتويتر.
بالإضافة إلى ذلك، يرى البعض أن الحظر يهدف إلى جمع بيانات المستخدمين الروس وتحليلها، مما يتيح للحكومة مراقبة أنشطتهم عبر الإنترنت. وتشير التقارير إلى أن تطبيق “ماكس” الجديد يخزن بيانات المستخدمين ويربطها بأرقام هواتفهم، مما يسهل عملية التتبع والرقابة.
تطبيق “ماكس”: البديل المحلي وقيود الخصوصية
تم تطوير تطبيق “ماكس” من قبل شركة برمجيات روسية، ويقدم خدمات مشابهة لتلك التي يوفرها واتساب، مثل المراسلة الفورية ومشاركة الملفات والمكالمات الصوتية والمرئية. لكن خبراء الحقوق الرقمية، مثل ساركيس داربينيان، يثيرون مخاوف بشأن خصوصية البيانات في التطبيق الجديد.
ويؤكد داربينيان أن “ماكس” يفتقر إلى معايير الخصوصية التي يوفرها واتساب، وأن بيانات المستخدمين قد تكون عرضة للاختراق أو الاستخدام من قبل السلطات. ويعتبر أن هذا الحظر يمثل خطوة نحو نموذج الرقابة الرقمية الذي تتبعه الصين.
ردود فعل المواطنين وتجاوز الحظر
تباينت ردود فعل المواطنين الروس على قرار حظر واتساب. فريق يرفض التخلي عن التطبيق المفضل لديهم، ويصر على الاستمرار في استخدامه رغم المخاطر. بينما يضطر آخرون إلى اعتماد “ماكس” خوفًا من الغرامات والعقوبات.
ولجأ العديد من المستخدمين إلى استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN) لتجاوز الحظر، والوصول إلى واتساب بشكل غير قانوني. لكن السلطات الروسية تخطط لملاحقة مستخدمي VPN قانونيًا، وتشديد الرقابة على الإنترنت.
تعتبر هذه الخطوة جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى بناء بنية تحتية رقمية مستقلة، وتقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية. وتشمل هذه الاستراتيجية تطوير تطبيقات وخدمات محلية بديلة، وتشجيع الشركات الروسية على الاستثمار في مجال التكنولوجيا.
الآثار المحتملة وتطورات مستقبلية
يُتوقع أن يؤدي حظر واتساب إلى زيادة استخدام تطبيق “ماكس”، لكن نجاحه يعتمد على مدى قدرته على جذب ملايين المستخدمين، وتوفير مستوى مقبول من الخصوصية والأمان. كما أن فعالية الحظر تعتمد على قدرة السلطات على منع استخدام VPN وتطبيقات المراسلة الأخرى.
بالإضافة إلى ذلك، قد يؤثر هذا القرار على العلاقات بين روسيا والشركات التكنولوجية الغربية، ويزيد من التوترات السياسية. وتشير التوقعات إلى أن روسيا قد تفرض المزيد من القيود على الإنترنت في المستقبل، في إطار سعيها لتعزيز سيطرتها على الفضاء الرقمي.
من المتوقع أن تصدر الحكومة الروسية تفاصيل إضافية حول آليات تطبيق الحظر، والعقوبات التي ستفرض على المخالفين، في الأشهر القليلة القادمة. ويراقب الخبراء عن كثب تطورات هذا الوضع، وتقييم تأثيره على حرية الإنترنت وحقوق المستخدمين في روسيا. كما أن مستقبل تطبيقات المراسلة الأخرى في روسيا، مثل تيليجرام وسيجنال، يظل غير واضحًا.













