«السيلياك».. هو الإصابة بحساسية الجلوتين، وهو مرض يصيب الكبار والصغار، وقد يحدث في أي سن، وهو اضطراب مزمن في الجهاز الهضمي يضر بالأمعاء الدقيقة (بروتين موجود في القمح والشعير، وشائع في الخبز والمعكرونة والبسكويت والكعك)؛ يؤدي بحسب المختصين الصحيين إلى تلف بطانة الأمعاء الدقيقة، وأعراضه تتمثل في إسهال مزمن وفقدان للوزن وانتفاخ أو امتلاء طوال الوقت وقلة الشهية، ويضر بالأطفال، وتختلف الأعراض لديهم، ويمكن أن يتسبب في تلف مينا الأسنان الدائمة وتأخر البلوغ، والبطء في النمو وقصر القامة والشعور بالضيق، ومشكلات الإنجاب لدى الإناث وتأخر بدء فترات الحيض، أو الإجهاض المتكرر.
نصف مليون مصاب
لأهمية المرض، خصصت له المؤسسات الصحية العالمية شهراً كاملاً للتوعية (مايو من كل عام). وأشارت دراسات إلى أن نسبة مرض السيلياك عالميا 1%، وعدد المصابين في السعودية يزيد على 500 ألف.
وأطلقت وزارة الصحة، حملة توعوية تهدف إلى رفع الوعي بالخدمات المقدمة لمرضى حساسية القمح (السيلياك)، وتحفيزهم للتسجيل للاستفادة من المواد الغذائية المجانية التي تقدم عبر 43 مستشفى سعودياً.
وقالت وزارة الصحة، «إنه لا يوجد علاج للسيلياك، فهو مرض جيني، لا يحدث إلا بوجود جين الإصابة، وراثي ينتقل من الآباء إلى الأبناء».
فيما أكدت مدينة الملك سعود الطبية، «أهمية اتباع الإرشادات الصحية الخاصة التي تشتمل على الحمية الغذائية والانتظام في مراجعة الطبيب المختص بالجهاز الهضمي وزيارة اختصاصي التغذية؛ للمساعدة في اتباع نظام غذائي مناسب وقراءة مكونات الأطعمة قبل تناولها أو إعطائها للطفل، والتأكد من عدم احتوائها على الجلوتين وتعليم الطفل طريقة قراءة البطاقة الغذائية، ومسميات الجلوتين».
توعية عبر «الديلفري»
أطلقت الهيئة العامة للغذاء والدواء، مبادرة تستهدف تعزيز المسؤولية الاجتماعية، وتوفير خيارات غذائية مناسبة لمرضى السيلياك، تمكن من خلالها شركات تطبيقات توصيل الطلبات من تقديم تصنيفات واضحة للأغذية المحتوية والخالية من الجلوتين؛ بهدف تعزيز الوعي المجتمعي حول أهمية توفير خيارات غذائية آمنة ومناسبة للأشخاص الذين يعانون من حساسية الجلوتين، كما تسعى المبادرة إلى رفع جودة خدمات تطبيقات التوصيل من خلال توفير معلومات دقيقة ومفصلة عن المكونات الغذائية.
وأصدر مجلس الصحة الخليجي، دليلاً توعوياً بعنوان (دليل السيلياك)، يهدف إلى زيادة الوعي بمرض السيلياك والتركيز على تلبية حاجات وتحسين حياة الأشخاص المصابين بمرض السيلياك ومساعدتهم في تحسين نوعية حياتهم وتعزيز صحتهم العامة، في ظل أن بعض الدراسات والإحصاءات أثبتت أن من بين كل 100 شخص يعاني شخص واحد من السيلياك.
وأشارت جامعة الملك عبدالعزيز، إلى أن معظم دراسات مرض السيلياك أجريت على الشعوب القوقازية والأمريكية، والتي ترتب عليها وجود فجوة في مفاهيم حدوث المرض في الشعوب العربية.
«السيلياكيون» يتحدثون
التقت «عكاظ»، عدداً من المصابين بمرض السيلياك والأطباء المختصين للكشف عن أسبابه والوقاية منه وكيفية التعايش معه، إذ روت يارا خوجة، معاناتها مع مرض السيلياك، قائلة: «منذ سنوات وأنا أعاني من صداع، وغثيان، وآلام غير مفهومة للبطن، وتعب، وإرهاق، وأشياء مختلفة، بما فيها إمساك مزمن، لأكتشف بعد ذلك إصابتي بمرض السيلياك لأنني أحمل جينات وراثية، فوالدي مصاب بنفس المرض». من جانبها، تقول سمية المطيري: «في السابق كنا نعاني من صعوبة الحصول على أطعمة خالية من الجلوتين في المطاعم أو السوبر ماركت، وأخيراً ظهرت مخابز ومطاعم تهتم بالمصابين بمرض السيلياك، كما أن الدولة تقوم بتوفير المنتجات الخالية من الجلوتين مجاناً للمرضى». فيما ينتقد يحيى عبدالله، قلة المنتجات وارتفاع أسعارها.
إسهال وتقزم وتهتك
استشاري أمراض الجهاز الهضمي والتغذية لدى الأطفال الدكتور عبدالله شنبري، يقول: إن السيلياك أحد الأمراض المناعية، إذ تتسبب الخلايا المناعية في تهتك الأمعاء الدقيقة للإنسان، ما يتسبب في عدم قدرة الأمعاء على القيام بوظيفتها على أكمل وجه في امتصاص الغذاء والأملاح والفيتامينات، ويسبب ذلك أعراضاً مرضية كالإسهال وقصر القامة ونقص الوزن والأنيميا وبعض الأعراض العصبية أو الطفح الجلدي، موضحاً أن هناك عدة أسباب أو عوامل جينية ووراثية لهذا المرض. ويضيف أن مرض السيلياك أو حساسية القمح والجلوتين يصيب الإنسان في سن مبكرة بعد ستة أشهر من عمره، وأعراضه لا تكتشف إلا في سن متأخرة، وأحياناً عندما يصل الإنسان لعمر متقدم، وقد تظهر في صورة العقم أو التقزم أو بعض الاضطرابات النفسية والعصبية.
ويشير شنبري إلى أنه لا توجد حتى الآن دراسات محكمة تحدد طرقاً للوقاية، لذلك فأفضل ما يمكن عمله لتجنب الإصابة هو التقليل من نسبة مهاجمة الخلايا المناعية للجسد من خلال زيادة الوعي بأهمية الرضاعة الطبيعية.
وأوضح أن جسم الإنسان يتكون من خلايا، وماء، وأملاح، ومعادن وغير ذلك، وقد يتسبب مرض السيلياك في نقص أحد المعادن النادرة كالمنغنيز أو الزنك أو أحد الفيتامينات كفيتامين A أو B12 أو حمض الفوليك، مثل هذه الأملاح أو الفيتامينات والمعادن لها دور جوهري في عمل الدماغ أو تكون الدم أو في انتظام الدورة الشهرية. وعن تشابه الأعراض بين مرض السيلياك والقولون العصبي، أكد الدكتور شنبري أن هناك علاقة وثيقة وجوهرية وأصيلة بين الإصابة بمتلازمة القولون العصبي ومرض السيلياك، وهي علاقة مباشرة، إذ إن السيلياك اضطراب في عملية الهضم، وهو العَرَض المباشر لمرضى القولون العصبي، وهو دليل على أن أعراض السيلياك قد تبدأ في سن متأخرة وليس شرطاً في سن الطفولة.
ماذا عن الأورام؟
أشار استشاري الجهاز الهضمي الدكتور شنبري، إلى طرق الكشف عن المرض عن طريق وجود أعراض مباشرة أو غامضة، وفحص الأجسام المضادة، وإجراء المناظير التداخلية ودراسة عينات من الأمعاء مجهرياً، وفي بعض الحالات قد تُعمل مستضدات الكريات البيضاء البشرية، وعلمياً هناك نوعان متمايزان؛ الأول هو مرض السيلياك، أما الثاني فهو السيلياك الخامد، ويعني وجود أجسام مضادة ولكن دون أعراض، وقد ربطت بعض الدراسات بين السيلياك الخامد وأورام الجهاز الهضمي.
مغص وحساسية عالية
عالم الأبحاث الطبية الدكتور فهد الخضيري، تحدث عن اختلاف الأعراض من شخص لآخر، مثل الإسهال أو ألم ومغص شديد أو حساسية عالية وردود فعل قوية تتمثل بأعراض سوء الهضم والألم والمغص والإسهال، وهناك حالات تحمل جينات وراثية، وعند ثبوت ذلك يجب الفحص للتأكد من الإصابة، وتجنب الجلوتين في الأطعمة. وأكد الأستاذ عالم الأبحاث الطبية الدكتور الخضيري أن الأعراض قد تشتد بسبب الضغوط النفسية، وتسبب قلقاً وتوتراً وألماً شديداً ومشكلات هضمية قد تصل بالشخص إلى القلق والتوتر والألم النفسي، موضحاً أن بعض الأطعمة المصنّعة والمكررة والكيميائية قد تثير ردود فعل مناعية بالجسم تجعل الجسم يرفضها ويصدر أجساماً مضادة لها، فالعلاج الأنجح لمرض السيلياك هو الابتعاد عن الأغذية التي تحتوي على الجلوتين.
الحل في البدائل
أشارت استشارية تغذية الإنسان الدكتورة سهى عبدالجواد، إلى أن مرض السيلياك اضطراب مناعي ذاتي مزمن يُحفز بواسطة تناول الجلوتين الذي يُهاجم الجهاز المناعي لبطانة الأمعاء الدقيقة، ما يؤدي إلى تلف الزغابات المعوية وتقليل قدرة الجسم على امتصاص المغذيات، ويمكن أن يصيب أي شخص لديه قابلية وراثية، ويظهر عادة في الأطفال أو البالغين الذين لديهم عوامل محفزة مثل الإجهاد، أو العدوى، أو الجراحة. وأوضحت أنه لا توجد وسيلة مؤكدة للوقاية من مرض السيلياك بسبب طبيعته الوراثية، لكن يمكن تقليل المخاطر من خلال تقديم الجلوتين تدريجياً في غذاء الأطفال بين عمر 4 إلى 6 أشهر ومراقبة الأعراض عند الأفراد الذين لديهم تاريخ عائلي للمرض. وبينت الدكتورة سهى عبدالجواد، أن العلاج الوحيد حالياً هو اتباع نظام غذائي صارم خالٍ من الجلوتين مدى الحياة وتجنب القمح، والشعير، والشوفان الملوث، واستبدالها ببدائل خالية من الجلوتين مثل الأرز والكينا.
دعم المرضى
نفسياً ومعنوياً
وفي السياق نفسه، أكدت المدير التنفيذي لجمعية السيلياك عبير العريني، أن الجمعية تقوم بدعم مرضى السيلياك من حيث تقديم عدة خدمات؛ من بينها: عيادات استشارية رقمية متخصصة بالتشخيص والمتابعة لخدمة المرضى وتوزيع سلال غذائية خالية من الجلوتين للمصابين وصرف بطاقة سلياكي يستطيع المصاب من خلالها شراء منتجات غذائية من مراكز تجارية معتمدة أو عمل تحاليل طبية من مختبرات معتمدة بتخفيض مناسب باستخدام البطاقة.
وأشارت العريني إلى أن الجمعية تقدم برامج تدريب لطهي المنتجات الخالية من الجلوتين تقدم للمصاب لمساعدته على إعداد وجبات صحية وآمنة (لصعوبة طهي المنتجات)، ومحاضرات وورش عمل صحية ونفسية لتوعية المصاب وتأهيله للتعايش مع المرض. ونوهت المدير التنفيذي لجمعية السيلياك العريني إلى أن السيلياك شائع عالمياً بنسبة تراوح بين 1 إلى 2%، والعلاج الوحيد هو الالتزام بحمية خالية تماماً من الجلوتين، مبينة أن أرقام المصابين تختلف حسب الدول والإحصاءات، كما أن الدراسات تشير إلى أن الإناث أكثر عرضة للإصابة بأمراض المناعة الذاتية بشكل عام، بما فيها السيلياك،؛ بسبب عوامل مناعية وهرمونية، ويعد السيلياك مرضاً وراثياً مناعياً، لهذا فالحمية لا تمنع إصابة الأشخاص الأصحاء، لكنها الطريقة الوحيدة لمنع تطور الأعراض ومضاعفات المرض لدى المصابين.
أخبار ذات صلة