أكد الدكتور عبدالله محمد العواد، طبيب التكامل الوظيفي، على الدور المحوري الذي تلعبه البيئة الغذائية في تشكيل خياراتنا الغذائية وتعزيز العادات الصحية أو غير الصحية. جاء ذلك خلال حديثه لبرنامج “ستديو الصباح” على إذاعة العربية اف ام، حيث أوضح أن العوامل المحيطة بالفرد تؤثر بشكل كبير على قدرته على تبني نمط حياة صحي. هذه القضية تكتسب أهمية متزايدة في ظل ارتفاع معدلات السمنة والأمراض المزمنة في المنطقة.
وأشار الدكتور العواد إلى أن البيئة المحيطة بالفرد، بما في ذلك العادات الغذائية السائدة في الأسرة والمجتمع، تلعب دوراً أكبر من الإرادة الشخصية في تحديد الخيارات الغذائية. هذا التأثير يمتد ليشمل المناسبات الاجتماعية والاحتفالات التي غالباً ما تتضمن أطعمة غير صحية بكميات كبيرة. الحديث يلقي الضوء على تحديات التغيير السلوكي في مجال التغذية.
تأثير البيئة الغذائية على السلوكيات الصحية
تعتبر البيئة الغذائية من المحددات الرئيسية للسلوك الغذائي، حيث تشمل جميع العوامل الخارجية التي تؤثر على ما نأكله ومتى وأين. تشمل هذه العوامل توفر الأطعمة الصحية وغير الصحية، أسعارها، التسويق لها، بالإضافة إلى الأعراف الاجتماعية والثقافية المتعلقة بالطعام. وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن البيئات الغذائية غير الصحية تساهم بشكل كبير في انتشار السمنة والأمراض المرتبطة بها.
أوضح الدكتور العواد أن محاولة تغيير العادات الغذائية الفردية تصبح أكثر صعوبة عندما تكون البيئة المحيطة غير داعمة. فقد واجه مع مريض مصاب بداء السكري من النوع الثاني صعوبة في الالتزام بنظام غذائي صحي بسبب الضغوط الاجتماعية والمغريات الغذائية التي يواجهها في المناسبات العائلية والاجتماعية. هذا يؤكد على أهمية التدخلات البيئية التي تهدف إلى جعل الخيارات الصحية هي الأسهل والأكثر جاذبية.
دور العادات والتقاليد
تلعب العادات والتقاليد الغذائية دوراً هاماً في تشكيل البيئة الغذائية. في العديد من المجتمعات العربية، تعتبر الأطعمة الغنية بالدهون والسكر جزءاً لا يتجزأ من الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون هناك اعتقاد بأن تقديم الطعام بكميات كبيرة هو علامة على الكرم والضيافة. هذه العادات تجعل من الصعب على الأفراد تبني خيارات غذائية أكثر صحة.
ومع ذلك، يشير خبراء التغذية إلى أن التقاليد الغذائية يمكن أن تتطور وتتغير بمرور الوقت. من خلال التوعية والتثقيف، يمكن للمجتمعات أن تبدأ في تبني عادات غذائية أكثر صحة دون التخلي عن هويتها الثقافية. هذا يتطلب جهوداً مشتركة من الأفراد والمجتمعات والحكومات.
التسويق وتوفر الأطعمة غير الصحية
يساهم التسويق المكثف للأطعمة غير الصحية في تشويه تصورات المستهلكين حول القيمة الغذائية. غالباً ما تستهدف هذه الحملات التسويقية الأطفال والمراهقين، مما يؤدي إلى ترسيخ عادات غذائية غير صحية في سن مبكرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن توفر الأطعمة غير الصحية بأسعار منخفضة في العديد من المناطق يجعلها الخيار الأسهل والأكثر جاذبية للأفراد ذوي الدخل المحدود. هذه العوامل تزيد من خطر الإصابة بالسمنة والأمراض المزمنة.
تعتبر السياسات الحكومية المتعلقة بالتسويق الغذائي وتوفر الأطعمة الصحية أمراً بالغ الأهمية في معالجة هذه المشكلة. يمكن للحكومات أن تفرض قيوداً على تسويق الأطعمة غير الصحية، وتقديم الدعم المالي للمزارعين والمنتجين المحليين للأطعمة الصحية، وتسهيل الوصول إلى هذه الأطعمة في المناطق النائية والمحرومة. هذه التدخلات يمكن أن تحدث فرقاً كبيراً في تحسين البيئة الغذائية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن زيادة الوعي بأهمية التغذية الصحية وتعزيز مهارات الطهي لدى الأفراد يمكن أن يساعدهم على اتخاذ خيارات غذائية أفضل. يمكن للمدارس والمراكز الصحية والمجتمعات المحلية أن تلعب دوراً هاماً في توفير هذه المعلومات والمهارات.
تتزايد الجهود المبذولة في المنطقة لتعزيز التغذية الصحية ومكافحة السمنة. أطلقت العديد من الدول مبادرات وبرامج تهدف إلى زيادة الوعي بأهمية التغذية الصحية، وتشجيع النشاط البدني، وتحسين البيئة الغذائية. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه هذه الجهود، بما في ذلك نقص الموارد، وضعف التنسيق بين الجهات المعنية، ومقاومة التغيير من قبل بعض الأفراد والمجتمعات.
من المتوقع أن تستمر الحكومات والمنظمات الصحية في المنطقة في التركيز على تحسين البيئة الغذائية كجزء من استراتيجياتها الشاملة لمكافحة السمنة والأمراض المزمنة. تشمل الخطوات التالية المتوقعة تطوير سياسات أكثر صرامة بشأن التسويق الغذائي، وزيادة الضرائب على المشروبات السكرية والأطعمة غير الصحية، وتقديم الدعم المالي للمنتجين المحليين للأطعمة الصحية. يبقى تقييم فعالية هذه التدخلات وتعديلها بناءً على الأدلة المتاحة أمراً ضرورياً لضمان تحقيق النتائج المرجوة.













