الضفة الغربية – تواجه آلاف العائلات الفلسطينية صعوبات اقتصادية متزايدة بعد قرار قطع مخصصات الأسرى والشهداء والجرحى، مما يثير جدلاً واسعاً حول حقوق هذه الفئات وتأثير ذلك على الاستقرار الاجتماعي والسياسي في الأراضي الفلسطينية. القرار، الذي اتخذته السلطة الفلسطينية مؤخراً، أثر بشكل مباشر على نحو 40 ألف أسرة تعتمد على هذه المخصصات كمصدر رئيسي للدخل، خاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة والقيود الإسرائيلية المستمرة.
وتأتي هذه الخطوة في سياق جهود السلطة الفلسطينية لإعادة هيكلة نظام الدعم الاجتماعي وتوحيد الجهود لتوفير خدمات أفضل للفئات المحتاجة. ومع ذلك، يرى منتقدو القرار أنه يمثل تراجعاً عن الالتزامات السابقة تجاه الأسرى وعائلاتهم، ويشكل ضربة قوية للنضال الفلسطيني المستمر.
تداعيات قطع مخصصات الأسرى على العائلات الفلسطينية
تعاني عائلة سليط، من مخيم طولكرم، كغيرها من العائلات، من تبعات هذا القرار. فقدت العائلة اثنين من أبنائها شهيدين، بينما يقضي الابن الثالث حكماً بالسجن المؤبد في السجون الإسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك، فقدت العائلة مصدر دخلها الرئيسي بعد إغلاق مطعمها بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، وكانت تعتمد بشكل كبير على مخصصات الأسرى لتغطية نفقاتها الأساسية.
وتشير تسنيم سليط، ابنة العائلة، إلى أن والدها لم يعد قادراً على العمل بسبب تدهور حالته الصحية والنفسية. وأضافت أن قطع المخصصات أدى إلى تفاقم الأوضاع المعيشية للعائلة، وحرمان أطفالها من أبسط مقومات الحياة الكريمة. هذه القصة ليست استثناءً، بل تعكس الواقع المرير الذي تعيشه العديد من العائلات الفلسطينية التي فقدت أفرادها بسبب الصراع.
الآثار الصحية والنفسية
لا تقتصر آثار قطع المخصصات على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تمتد لتشمل الجوانب الصحية والنفسية. فالعديد من الأسرى يعانون من أمراض مزمنة وإعاقات نتيجة للتعذيب والإهمال الطبي في السجون الإسرائيلية، ويحتاجون إلى رعاية طبية مستمرة ومكلفة. كما أن عائلاتهم تعاني من ضغوط نفسية واجتماعية كبيرة بسبب فقدان المعيل أو انقطاع الاتصال بأبنائهم.
ويروي عز الدين عمارنة، والد الأسير مجاهد عمارنة، تفاصيل معاناته مع مرض ابنه الذي يعاني من اضطراب نفسي نتيجة الاعتقال. ويؤكد أن مخصصات الأسير كانت تساعد في تغطية تكاليف علاج ابنه، وأن قطعها أدى إلى تدهور حالته الصحية وزيادة معاناته.
الجدل القانوني والدستوري
يثير قرار قطع مخصصات الأسرى جدلاً قانونياً ودستورياً. يرى خبراء قانونيون أن القرار يتعارض مع القانون الأساسي الفلسطيني الذي يضمن حقوق الأسرى وعائلاتهم، ويؤكد على وجوب توفير حياة كريمة لهم. كما يشيرون إلى أن القرار قد يشكل انتهاكاً للاتفاقيات الدولية التي تحمي حقوق الإنسان.
ويؤكد قدورة فارس، وزير الأسرى السابق، أن القرار يتضمن خللاً دستورياً واضحاً، وأن القانون الأساسي الفلسطيني يلزم السلطة الفلسطينية بضمان حقوق الأسرى والشهداء والجرحى. ويضيف أن قطع المخصصات يمثل تخلياً عن نضال الأسرى وتقويضاً لتضحياتهم.
ردود الفعل الرسمية والشعبية
أعربت العديد من الفصائل الفلسطينية عن رفضها القاطع لقرار قطع المخصصات، ودعت السلطة الفلسطينية إلى إعادة النظر فيه. كما نظمت فعاليات شعبية في مختلف المدن والمخيمات الفلسطينية للاحتجاج على القرار، والتعبير عن التضامن مع الأسرى وعائلاتهم. وتشمل ردود الفعل أيضاً انتقادات لسياسات مؤسسة “تمكين” ودورها في تنفيذ القرار.
من جهته، أصدر الرئيس محمود عباس بياناً أوضح فيه حيثيات وقف المخصصات، وربط ذلك ببرنامج الإصلاح الذي تتبعه القيادة الفلسطينية. وأشار إلى أن القرار يأتي بهدف توحيد وتنظيم منظومة الحماية والرعاية الاجتماعية، وضمان العدالة والشفافية والاستدامة في تقديم المخصصات.
وتشير التقارير إلى أن السلطة الفلسطينية تواجه ضغوطاً مالية كبيرة، وأن قرار قطع المخصصات يهدف إلى تخفيف العبء على الميزانية العامة. ومع ذلك، يرى العديد من المراقبين أن القرار قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع المعيشية للعائلات الفلسطينية، وزيادة الغضب والاستياء الشعبي.
من المتوقع أن تستمر الأزمة المتعلقة بـمخصصات الأسرى في الأيام والأسابيع القادمة، وأن تشهد تطورات جديدة. من بين الأمور التي يجب مراقبتها ردود فعل الفصائل الفلسطينية، وموقف المجتمع الدولي، والخطوات التي ستتخذها السلطة الفلسطينية لمعالجة الأزمة وتخفيف آثارها على العائلات المتضررة. كما أن مستقبل برنامج الإصلاح الذي تتبعه القيادة الفلسطينية، وتأثيره على حقوق الفئات المحتاجة، يظل أمراً غير واضحاً.













