شهد عام 2025 ازدهارًا ملحوظًا في السينما العربية، حيث حصدت الأفلام العربية جوائز وتقديرات في العديد من المهرجانات الدولية المرموقة. تنوعت هذه الأعمال بين الدراما والوثائقيات، لتطرح قضايا معاصرة وتستكشف جوانب مختلفة من الثقافة والهوية العربية، مما يعكس تطورًا كبيرًا في صناعة الأفلام بالمنطقة. وقد سلطت هذه الأعمال الضوء على المواهب العربية الصاعدة وأثبتت قدرتها على المنافسة عالميًا.
تألق خمسة أفلام عربية بشكل خاص خلال العام، حازت على اهتمام النقاد والجمهور على حد سواء، وحصدت العديد من الجوائز في المهرجانات الدولية. هذه الأفلام ليست مجرد أعمال فنية، بل هي نافذة على الواقع العربي وتحدياته، وشهادة على الإبداع والابتكار الذي يميز صناعة السينما العربية.
يونان: رحلة في أعماق النفس العربية
أثار فيلم “يونان” للمخرج أمير فخر الدين، والذي عُرض لأول مرة في مهرجان برلين السينمائي الدولي، نقاشات واسعة حول قضايا الغربة والاكتئاب والانتماء. الفيلم، الذي يجمع بين الإنتاج العربي والأوروبي، يروي قصة كاتب عربي يعزل نفسه في جزيرة نائية هربًا من أزمات وجودية عميقة.
ينتقد الفيلم بأسلوب رمزي فكرة الانتحار واليأس، ويقدم رؤية إنسانية عن إمكانية التغلب على الصعاب من خلال التواصل مع الآخرين وتقبل الحياة بكل ما فيها. وقد حصد الفيلم جائزة النقاد العرب كأفضل فيلم عربي، وهو ما يؤكد على قيمته الفنية والثقافية.
ثريا حبي: ذاكرة الحب والضياع
يعتبر فيلم “ثريا حبي” للمخرجين نيكولا خوري عملًا وثائقيًا مؤثرًا يعيد اكتشاف قصة حب فريدة من نوعها. عُرض الفيلم لأول مرة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، حيث فاز بجائزة أفضل فيلم وثائقي لتقديمه سردًا بصريًا عاطفيًا مؤثرًا.
يستعرض الفيلم حياة ثريا بغدادي، زوجة المخرج الراحل مارون بغدادي، من خلال أرشيفهما الشخصي ومقابلات حصرية، ليرسم صورة دقيقة عن علاقتهما وتأثيرها في حياتهما. الفيلم ليس مجرد سيرة ذاتية، بل هو تأمل في معنى الحب والفقد والذاكرة، وكيف يمكن للذكريات أن تحتفظ بجمال الماضي وتدفعه نحو المستقبل.
التوثيق السينمائي كأداة للحفاظ على الذاكرة
استخدم المخرج تقنيات التوثيق السينمائي ببراعة لإعادة إحياء اللحظات الجميلة التي جمعت ثريا ومارون، مما جعل الفيلم تجربة إنسانية مؤثرة ومثيرة للتأمل. يظهر الفيلم أن السينما العربية يمكن أن تكون أداة قوية للحفاظ على الذاكرة الجماعية والفردية.
كان ياما كان في غزة: نظرة إلى الماضي
قدم فيلم “كان ياما كان في غزة” للمخرج كمال الجعفري، والذي عُرض في مهرجان لوكارنو السينمائي، صورة نادرة لغزة في بداية الألفية الجديدة. الفيلم يمثل شهادة تاريخية بصرية مهمة، تسجل حياة الناس وتطلعاتهم في ظل ظروف سياسية واقتصادية صعبة.
يعتمد الفيلم على مواد أرشيفية قديمة، أعاد المخرج اكتشافها بعد سنوات طويلة، ليقدم سردًا سينمائيًا فريدًا يجمع بين الماضي والحاضر. الفيلم يسلط الضوء على جمالية الحياة في غزة، وقدرة أهلها على الصمود والتحدي، بالرغم من كل الصعاب.
زنقة مالقا: قصة امرأة مغربية
حصد فيلم “زنقة مالقا” للمخرجة مريم التوزاني العديد من الجوائز في المهرجانات الدولية، بما في ذلك جائزة الجمهور في مهرجان فينيسيا السينمائي. يتناول الفيلم قصة امرأة مسنة تعيش في مدينة طنجة، وتواجه صعوبات في الحفاظ على منزلها وممتلكاتها.
يقدم الفيلم صورة واقعية لحياة المرأة المغربية في المجتمع التقليدي، والصراعات التي تواجهها في سبيل تحقيق الاستقلال المادي والمعنوي. الفيلم تم اختياره لتمثيل المغرب في جائزة الأوسكار لأفضل فيلم دولي، مما يعكس أهميته الفنية والثقافية.
مع حسن في غزة: البحث عن الرفيق
يعكس فيلم “مع حسن في غزة” للمخرج كمال الجعفري، والمُصور قديمًا، التحديات التي تواجهها السينما العربية في الحفاظ على إرثها البصري. الفيلم يكشف عن رحلة بحث المخرج عن صديقه الذي شاركه السجن في غزة، ويقدم لمحة عن الحياة اليومية في القطاع في فترة الانتفاضة الثانية.
الفيلم أثار إعجاب النقاد والجمهور بأسلوبه البسيط والعفوي، وقدرته على نقل مشاعر وأحاسيس صادقة. يضيف الفيلم بعدًا إنسانيًا للخطاب السائد حول غزة.
بشكل عام، تُظهر هذه الأفلام تنوعًا وإبداعًا كبيرين في السينما العربية، وتعكس اهتمامًا متزايدًا بالقضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تشغل بال المجتمع العربي. يُتوقع أن تستمر هذه الأفلام في تحقيق النجاح والتقدير في المهرجانات الدولية، وأن تساهم في تعزيز مكانة السينما العربية على الساحة العالمية.
ومع نهاية عام 2025، تتجه الأنظار نحو فعاليات اختيار الأفلام المرشحة لجوائز الأوسكار، حيث من المتوقع أن يحصد الفيلم المغربي “زنقة مالقا” اهتمامًا كبيرًا. في الوقت نفسه، يترقب النقاد والجمهور الإصدارات الجديدة للأفلام العربية في عام 2026، متمنين استمرار هذا الزخم الإبداعي.













