اعتاد علماء الفلك على رؤية انفجارات النجوم، أو المستعرات، كأحداث سريعة وغير مفصلة. لكنّ فريقًا دوليًا من الباحثين تمكن من التقاط صور عالية الدقة لمستعرين في لحظات انطلاقهما الأولى، مما يوفر رؤى جديدة حول طبيعة هذه الظواهر الكونية المعقدة. هذه الصور، التي تم الحصول عليها باستخدام تقنيات متطورة، تكشف أن انفجار المستعر ليس حدثًا واحدًا، بل قد يكون سلسلة من القذوفات المتداخلة.
وقد نشرت جامعة ولاية جورجيا الأمريكية نتائج هذا البحث المهم، والذي يغير فهمنا لكيفية حدوث هذه الانفجارات النجمية. تُظهر البيانات الجديدة أن عملية الانفجار أكثر تعقيدًا مما كان يُعتقد سابقًا، وتشمل تفاعلات متعددة بين المواد المنبعثة من النجمين المتفاعلين.
ما هي المستعرات وكيف تحدث؟
المستعر هو انفجار نجمي يحدث في الأنظمة النجمية الثنائية، حيث يتكون من نجم قزم أبيض ونجم مرافق. يقوم القزم الأبيض، وهو نجم صغير وكثيف، بسحب المادة من النجم المرافق. مع تراكم هذه المادة على سطح القزم الأبيض، ترتفع درجة الحرارة والضغط، مما يؤدي إلى اشتعال تفاعلات نووية مفاجئة وتسبب توهجًا هائلاً.
تقليديًا، كان من الصعب رصد هذه الانفجارات في مراحلها الأولى بسبب صغر حجم القذوفات الأولية. كان الفلكيون يعتمدون على تحليل الأطياف الضوئية أو دراسة الصور المتأخرة بعد اتساع البنية النجمية لاستنتاج طبيعة الانفجار.
ظاهرة التداخل الضوئي: نافذة جديدة على المستعرات
تمكن الفريق البحثي من التغلب على هذه القيود باستخدام ظاهرة “التداخل الضوئي”. تعتمد هذه التقنية على الجمع بين الضوء القادم من عدة تلسكوبات لإنشاء صورة واحدة ذات دقة عالية جدًا، مما يسمح برؤية التفاصيل الدقيقة التي كانت مخفية في السابق. استخدم الباحثون مصفوفة “تشارا” في كاليفورنيا، وهي أداة متخصصة في هذا النوع من الرصد.
بالإضافة إلى ذلك، قاموا بتعزيز الصور بقياسات طيفية متعددة الأطوال الموجية لتحديد تركيبة الغاز المقذوف وتتبع حركته.
ما كشفته الصور الجديدة؟
ركزت الدراسة على مستعرين محددين: “في 1674 هرقل” و “في 1405 ذات الكرسي”. أظهرت الصور التي التقطت لمستعر “في 1674 هرقل” بعد يومين إلى ثلاثة أيام من اكتشافه، وجود تدفقين غازيين متعامدين تقريبًا. يشير هذا إلى أن الانفجار لم يكن نتيجة لقذف واحد، بل سلسلة من القذوفات المتفاعلة.
الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن هذه التفاعلات قد تكون مسؤولة عن إنتاج أشعة غاما عالية الطاقة، وهي من أكثر أشكال الإشعاع الكوني طاقة. تشير النتائج إلى أن التصادمات بين هذه التدفقات الغازية تسرع الجسيمات إلى سرعات هائلة، مما يؤدي إلى انبعاث أشعة غاما.
وفيما يتعلق بمستعر “في 1405 ذات الكرسي”، كشفت الصور أن القذف الأكبر للمادة لم يحدث على الفور، بل تأخر لأكثر من 50 يومًا بعد بدء الانفجار. وهذا يشير إلى أن عملية تراكم المادة على سطح القزم الأبيض قد تكون أكثر تعقيدًا مما كان يُعتقد.
أهمية هذه الاكتشافات
تعتبر هذه الاكتشافات بمثابة تقدم كبير في فهمنا للمستعرات. فقد قدمت للفلكيين “فيلمًا” مرئيًا لكيفية خروج المادة في الساعات والأيام الحاسمة من حدوث الانفجار، مما يساعد على فهم الآليات التي تولد الصدمات الداخلية وأشعة غاما. هذا الفهم يمكن أن يمتد ليشمل أيضًا المستعرات العظمى، وهي انفجارات نجمية أكثر عنفًا.
بالإضافة إلى ذلك، تساهم هذه الدراسة في تطوير نماذج نظرية أكثر دقة لوصف سلوك النجوم في الأنظمة الثنائية.
الخطوات التالية
يخطط الفريق البحثي لمواصلة دراسة المستعرات باستخدام تقنيات التداخل الضوئي والمراقبة الطيفية. يهدفون إلى الحصول على صور أكثر تفصيلاً وتتبع تطور الانفجار على مدى فترات زمنية أطول. من المتوقع أن توفر هذه الدراسات المزيد من الأدلة حول الآليات التي تحكم انفجارات النجوم وتساعد على حل بعض الألغاز المتبقية في هذا المجال. سيراقب العلماء أيضًا المزيد من المستعرات الجديدة في مراحلها المبكرة، على أمل تكرار هذه النتائج وتعميمها.













