يرى الباحث والمصور صالح حمدوني أن الصورة الفوتوغرافية ليست مجرد توثيق عابر للواقع، بل هي نص مفتوح يشارك في إنتاجه وتفكيكه. جاء ذلك في كتابه “على مد البصر في الفوتوغراف” الصادر حديثا عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمّان.
ويقدم حمدوني في كتابه مقاربة نقدية وفلسفية عميقة للفوتوغرافيا، معتبرا إياها خطابا ثقافيا ومعرفيا يتجاوز الجماليات. ويستعرض أمثلة من التاريخ الإنساني لتأثير الصورة الفوتوغرافية في تشكيل الرأي العام.
الفوتوغرافيا فعل تأويلي ومعرفي
يضع حمدوني الصورة في قلب الأسئلة الفلسفية الحديثة، معتبرا إياها نصا مرئيا يمكن قراءته مثل اللغة. ومن خلال لغته التحليلية الرشيقة يذهب إلى أن الصورة لم تعد مجرد توثيق لحظة عابرة أو انعكاس للواقع، بل صارت موقعا للتمثيل وإعادة إنتاج العالم.
ويرى حمدوني أن الكاميرا يمكن أن تتحول من أداة للهيمنة إلى وسيلة للمقاومة، ومن أداة لتثبيت الخطاب السلطوي إلى مساحة لكشف التناقضات والتفاصيل المسكوت عنها في الحياة اليومية.
الصورة بوصفها خطابا ثقافيا
يمتد التحليل في الكتاب ليشمل البعد الاجتماعي والسياسي للصورة. ويستعرض المؤلف نماذج أيقونية من تاريخ الفوتوغرافيا العالمية، مثل صورة الطفلة الفيتنامية كيم فوك وهي تهرب من القصف بالنابالم، وصورة الجنرال الفيتنامي وهو يعدم أحد الأسرى في الشارع.
ويرى حمدوني أن الصورة الصحفية لا تكتفي بسرد الأحداث، بل تصوغ سردية كاملة عن العالم، وتعيد إنتاج السلطة والمعنى.
الصورة العربية والمخيال المقاوم
وفي سياق عربي، يقدم حمدوني قراءة في دور الصورة الفلسطينية في بناء الذاكرة الجمعية من خلال ما يسميه “الوعي المقاوم بالكاميرا”. حيث تتحول العدسة إلى شكل من أشكال الفعل الوطني والثقافي.
ويربط هذا الوعي بتحولات الإعلام الجديد وتكاثر المنصات الرقمية التي جعلت الصورة أكثر سرعة وانتشارا.
أهمية الكتاب وموقعه في الحقل العربي
يمثل “على مد البصر” إضافة نوعية إلى المكتبة العربية في مجال الدراسات البصرية والنقد الفوتوغرافي. حيث يفتح أفقا واسعا لمساءلة الصورة بوصفها فعلا ثقافيا ومعرفيا.
ويوجه الكتاب إلى الباحثين في الفلسفة والنقد الثقافي والفنون البصرية، وإلى الصحفيين والمصورين.
من المتوقع أن يثير الكتاب نقاشا واسعا حول دور الصورة في تشكيل الوعي الجمعي، وآليات التعامل مع الصورة في عصر الإعلام الرقمي.












