اكتشف علماء الآثار في قطر تجمعًا فريدًا من أحافير أبقار البحر، وهو اكتشاف يُعدّ الأقدم والأغنى من نوعه في العالم. يُظهر هذا الاكتشاف، الذي تم في موقع المسحبية الأحفوري جنوب غربي قطر، تفاصيل جديدة حول هذه الثدييات البحرية المنقرضة التي عاشت منذ حوالي 21 مليون سنة، ويُقدم رؤى قيمة حول البيئة البحرية القديمة للخليج العربي. بالإضافة إلى ذلك، تم تحديد نوع جديد من أبقار البحر، أُطلق عليه اسم “سلواسيرين قطرانسيس”، مما يزيد من الأهمية العلمية لهذا الكشف.
أبقار البحر الأحفورية: نافذة على الماضي البيئي للخليج
لا يقتصر أهمية هذا الاكتشاف على كونه تجمعًا فريدًا لأحافير أبقار البحر فحسب، بل يمتد ليشمل كونه سجلًا محفوظًا لنظام بيئي بحري متكامل. وفقًا للدكتور نيكولاس باينسون، أمين قسم أحافير الثدييات البحرية في متحف مؤسسة سميثسونيان والباحث الرئيسي في الدراسة، فإن الموقع يوفر معلومات حول الحيوانات والنباتات التي عاشت معًا في هذه المنطقة قبل ملايين السنين، بما في ذلك الدلافين المنقرضة وأسماك الباراكودا القديمة والسلاحف البحرية.
يشير الدكتور باينسون إلى أن الكثافة العالية لعظام أبقار البحر لا تدعم فرضية نفوق جماعي مفاجئ. بدلاً من ذلك، تشير الأدلة إلى أن العظام تراكمت تدريجيًا على مدى آلاف السنين، مما يوحي بأن الموقع كان منطقة استيطان طويلة الأمد لهذه الكائنات. وهذا يتماشى مع أنماط حديثة لوجود تجمعات من الأطوم في مياه الخليج.
اكتشاف نوع جديد: “سلواسيرين قطرانسيس”
يُمثل اكتشاف “سلواسيرين قطرانسيس” تتويجًا للجهود البحثية في موقع المسحبية. هذا النوع الجديد من أبقار البحر كان أصغر حجمًا من الأطوم الحديثة، ويمتلك خصائص تشريحية فريدة تميزه عن الأنواع الأخرى المعروفة. ويشمل ذلك شكل الجمجمة والأطراف الخلفية الصغيرة التي تشبه الزعانف. تشير هذه السمات إلى أن “سلواسيرين قطرانسيس” كان يتكيف مع بيئة بحرية محددة.
دور أبقار البحر في النظام البيئي القديم
وفقًا للدراسة، لعبت أبقار البحر القديمة دورًا حيويًا في الحفاظ على صحة نظم أعشاب البحر في الخليج. من خلال التغذية على الأعشاب البحرية، ساهمت هذه الكائنات في تحرير العناصر الغذائية وتنظيف القاع البحري. وبالتالي، يمكن اعتبارها “مهندسين” للنظام البيئي، حيث ساهمت في تشكيل البيئة البحرية وصيانتها. هذا الدور البيئي مشابه للدور الذي يؤديه الأطوم اليوم في الخليج العربي.
الأهمية المستقبلية لدراسة أحافير أبقار البحر
تتساءل الدراسة حول قدرة أبقار البحر والنظم البيئية لأعشاب البحر على التكيف مع التغيرات المناخية وتقلبات الملوحة على مر العصور الجيولوجية. في حين أن تحديد عتبات بيئية محددة لا يزال يمثل تحديًا، فإن هذه الأحافير توفر دليلًا على وجود بيئة بحرية مستقرة نسبياً على مدى ملايين السنين. الأبحاث المستقبلية، بما في ذلك تحليل النظائر المستقرة، قد تلقي مزيدًا من الضوء على هذا الموضوع.
تُشير متاحف قطر ومؤسسة سميثسونيان إلى أن هذا الاكتشاف يمثل بداية لمزيد من الدراسات والأبحاث في موقع المسحبية. تهدف هذه الأبحاث إلى إعادة بناء التاريخ البيئي للخليج العربي بشكل أكثر تفصيلاً، وفهم التغيرات التي حدثت في البيئة البحرية على مدى ملايين السنين. هناك حاليًا مناقشات حول إمكانية ترشيح موقع المسحبية ليصبح موقعًا للتراث العالمي لليونسكو.
من المتوقع أن يستمر فريق البحث في تحليل الأحافير المكتشفة في موقع المسحبية، وإجراء المزيد من الحفريات لاستكشاف مناطق جديدة. كما يخططون للتعاون مع باحثين آخرين في المنطقة لتبادل المعرفة والخبرات. ستساعد هذه الجهود في بناء فهم شامل للتاريخ البيئي للخليج العربي، وتحديد التحديات التي تواجه البيئة البحرية اليوم.













