منذ بداية وقف إطلاق النار في قطاع غزة مطلع أكتوبر الماضي، يواجه السكان أزمة متفاقمة في الحصول على غاز الطهي، وهو ما يؤثر بشكل كبير على حياتهم اليومية. على الرغم من التفاهمات الإنسانية التي تضمنت إدخال إمدادات من الغاز، إلا أن الكميات الواردة لا تزال محدودة للغاية ولا تلبي الاحتياجات الأساسية، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وظهور سوق سوداء.
وتشير التقارير إلى أن نقص غاز الطهي يعيق قدرة السكان على إعداد الطعام وتدفئة المنازل، خاصة مع حلول فصل الشتاء وتزايد أعداد النازحين. وقد أدى هذا النقص إلى لجوء الكثيرين إلى بدائل غير آمنة مثل الحطب والبلاستيك، مما يزيد من المخاطر الصحية والبيئية.
أزمة غاز الطهي في غزة: فجوة كبيرة بين العرض والطلب
وفقًا لمصادر في وزارة الطاقة بغزة، يحتاج القطاع في الظروف العادية إلى ما يقرب من 450 طنًا من غاز الطهي يوميًا لتلبية احتياجات السكان والمخابز والمستشفيات. ومع ذلك، فإن الكميات التي تدخل حاليًا لا تتجاوز 130 طنًا في أفضل الأيام، أي أقل من ثلث الاحتياج الفعلي. هذا النقص الحاد يخلق ضغطًا هائلاً على الأسواق ويغذي السوق السوداء.
وتؤكد مصادر محلية أن هذا العجز لا يقتصر على المنازل، بل يمتد ليشمل المؤسسات الحيوية مثل المستشفيات والمخابز، مما يهدد بوقف خدماتها الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع أسعار غاز الطهي يؤثر بشكل مباشر على تكلفة الخبز والمواد الغذائية الأخرى، مما يزيد من معاناة السكان.
السوق السوداء تستغل الأزمة وارتفاع جنوني في الأسعار
مع تراجع الإمدادات الرسمية، ازدهرت السوق السوداء لـغاز الطهي في غزة. ووصل سعر الكيلو الواحد في بعض المناطق إلى 120 شيكل (حوالي 32 دولارًا أمريكيًا)، بينما ارتفع سعر الأسطوانة الكاملة إلى أكثر من 1400 شيكل (حوالي 370 دولارًا أمريكيًا). هذه الأسعار تتجاوز قدرة معظم العائلات، خاصة مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر.
ويصف السكان الوضع بأنه “كارثي”، مشيرين إلى أن غاز الطهي أصبح سلعة نادرة تُعامل كدواء حيوي. ويقولون إن عمليات البيع تتم عبر وسطاء غير خاضعين للرقابة، مما يزيد من حالة الاستغلال وعدم الثقة في آليات التوزيع الرسمية.
شهادات من داخل منظومة التوزيع تكشف عن تجاوزات
بدأت تظهر شهادات من داخل منظومة توزيع الغاز تشير إلى وجود تجاوزات وممارسات غير قانونية. أحد الموزعين، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أفاد بأن الحصص التي تصل إلى النقاط الرسمية تتغير بشكل عشوائي، وأن جزءًا من الشحنات يُوجه مباشرة إلى تجار يبيعونه بأسعار مضاعفة.
وأضاف أن هناك نقصًا في الشفافية والرقابة على عمليات التوزيع، مما يتيح الفرصة لبعض الأفراد للاستفادة من الأزمة. كما أكد أن سعر الأسطوانة ارتفع بشكل كبير منذ بداية الحرب، من حوالي 80 شيكل إلى أكثر من 1400 شيكل.
تداعيات أزمة الغاز على حياة السكان
تتجاوز تداعيات أزمة غاز الطهي مجرد صعوبة إعداد الطعام. فقد أدت إلى تفاقم الأوضاع الصحية، خاصة مع انتشار الأمراض التنفسية نتيجة استخدام الحطب والبلاستيك في الطهي والتدفئة. كما أثرت على التعليم، حيث يجد الطلاب صعوبة في الدراسة في ظل الظروف المعيشية الصعبة.
ويقول الخبير الاقتصادي محمد أبو جياب إن الأزمة ناتجة عن ثلاثة عوامل رئيسية: نقص الإمدادات، غياب الرقابة الفعالة، والارتفاع الكبير في الطلب بسبب النزوح. ويضيف أن استمرار الأزمة قد يؤدي إلى تداعيات اقتصادية واجتماعية وخيمة، مثل ارتفاع تكلفة المعيشة وزيادة معدلات الفقر.
معاناة النازحين: “نصف ساعة لإعداد كوب شاي”
يعيش النازحون في غزة معاناة مضاعفة بسبب أزمة غاز الطهي. يقول أمجد القدرة، النازح من خان يونس: “نحتاج إلى نصف ساعة لإشعال النار وإعداد كوب شاي واحد. أسعار الغاز في السوق السوداء مرتفعة جدًا، ولا نستطيع تحملها.”
ويضيف طارق باسم، النازح من مدينة غزة: “نحرق أي شيء نجده لإعداد الطعام وتدفئة أطفالنا. الوضع لا يطاق، ونشعر بأننا مهملون.” أما أم توفيق، النازحة من رفح، فتقول: “الخيمة لا توفر لنا أي حماية من البرد أو المطر. نحتاج إلى الغاز بشكل عاجل، ولكن لا يوجد أمل في الحصول عليه.”
مستقبل غامض للأزمة
في ظل استمرار تعثر إدخال غاز الطهي عبر المعابر، وعدم وجود حلول جذرية للأزمة، يبدو مستقبل الوضع في غزة غير واضح. تتوقع الجهات المحلية أن تستمر الأزمة ما لم يتم فتح المعابر بشكل دائم وزيادة الكميات الواردة من الغاز. ويجب مراقبة تطورات الوضع على المعابر، والجهود المبذولة لزيادة الإمدادات، والتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية للأزمة على السكان.













