يتزايد الإقبال على اختبارات الحمض النووي في فرنسا، وعلى الرغم من القيود القانونية المفروضة على هذه الاختبارات، يلجأ العديد من المواطنين إلى الخارج أو إلى عيادات خاصة للحصول عليها بهدف التنبؤ بالمخاطر الصحية المستقبلية واتخاذ تدابير وقائية، وهو ما يثير جدلاً حول مستقبل الفحص الجيني والطب الوقائي.
يكشف تحقيق أجرته صحيفة لوفيغارو الفرنسية عن هذه الظاهرة المتنامية، حيث يسعى الأفراد إلى فهم استعدادهم الوراثي لأمراض مثل السكري وألزهايمر وأمراض القلب، وذلك بهدف تعديل نمط حياتهم وتقليل فرص الإصابة بهذه الأمراض. هذه النزعة نحو الاستباقية الصحية تثير تساؤلات حول أخلاقيات وفعالية هذه الاختبارات.
الطلب المتزايد على اختبارات الحمض النووي: دوافع واتجاهات
بدأت هذه الظاهرة مع لويز إتشيغاراي، البالغة من العمر 39 عامًا، والتي أرسلت عينة من حمضها النووي إلى شركة أمريكية. كشفت النتائج عن احتمالية إصابتها بمرض السكري في سن الـ 60 والتنكس البقعي في سن الـ 75. دفعتها هذه المعلومات إلى تبني نمط حياة صحي يشمل الرياضة والتغذية السليمة والتعرض للضوء الطبيعي.
تُظهر هذه الحالة كيف يمكن أن تؤدي نتائج الفحص الجيني إلى تغييرات جذرية في نمط الحياة. يشترك معها العديد من الفرنسيين الذين يبحثون عن طرق لتأخير الشيخوخة وتحسين صحتهم على المدى الطويل.
القيود القانونية والحلول البديلة
تفرض القوانين الفرنسية قيودًا صارمة على إجراء اختبارات الحمض النووي، حيث لا يُسمح بها إلا في سياق طبي محدد، مثل تقييم المخاطر الوراثية للإصابة بالسرطان. نتيجة لذلك، يلجأ العديد من المهتمين إلى إجراء هذه الاختبارات في الخارج أو في عيادات خاصة تقدم خدمات “سرية”.
توضح الطبيبة كريستين لوي-فادّات أن هذه القيود تهدف إلى حماية الأفراد من القلق غير الضروري والمعلومات المضللة. ومع ذلك، فإنها تعترف بأن الطلب على هذه الاختبارات يتزايد، مما يدفع البعض إلى البحث عن طرق للتحايل على القانون.
تأثير النتائج على نمط الحياة والقرارات الصحية
توماس، البالغ من العمر 47 عامًا، هو مثال آخر على شخص قام بإجراء فحص شامل للحمض النووي في هيوستن، وكشف عن قابليته العالية للإصابة بأمراض القلب. بعد عودته إلى باريس، قام بتغيير نمط حياته بشكل كامل، وتبنى نظامًا غذائيًا صارمًا والصيام المتقطع، واستخدم أجهزة تتبع لمراقبة صحته.
تعتبر شارلوت كالفِه غرانِه، مؤسسة “نادي ثقافة طول العمر”، هذه النزعة تحولًا ثقافيًا نحو إعطاء الأولوية لطول العمر والصحة. وترى أن الأفراد أصبحوا أكثر وعيًا بأهمية الوقاية واتخاذ القرارات الصحية المستنيرة.
مخاوف أخلاقية واجتماعية
على الرغم من الفوائد المحتملة لـ الفحص الجيني، إلا أنه يثير أيضًا مخاوف أخلاقية واجتماعية. تشير بعض التقارير إلى أن هذه الاختبارات قد تؤدي إلى التمييز ضد الأفراد الذين يحملون جينات مرتبطة بأمراض معينة. بالإضافة إلى ذلك، هناك خطر من أن تؤدي هذه الاختبارات إلى زيادة القلق والتوتر لدى الأفراد.
ماريان، البالغة من العمر 52 عامًا، تجسد الجانب الأكثر حساسية لهذه الظاهرة. انهارت بعد أن كشف الفحص النووي أنها تحمل جين APOE الذي يزيد من خطر الإصابة بمرض ألزهايمر. ومع ذلك، قررت استخدام هذه المعلومات كفرصة لتحسين صحة دماغها من خلال التغذية والتمارين الذهنية والدعم الطبي.
مستقبل الفحص الجيني والطب الوقائي
يحذر الخبراء من خطر اتساع الفجوة بين أولئك الذين يستطيعون تحمل تكاليف هذه الاختبارات وأولئك الذين لا يستطيعون. ومع ذلك، يعتقد البعض أن زيادة الوعي بهذه التقنيات ستؤدي إلى انخفاض التكاليف وزيادة إمكانية الوصول إليها.
يدعو إسماعيل إيميليان، الشريك المؤسس لعيادة “زوي”، إلى فتح المجال لهذه الاختبارات ضمن إطار طبي منظم ومراقب. ويشدد على أهمية التفريق بين الوقاية والتنبؤ، والتأكد من أن الأفراد يتلقون المشورة والدعم المناسبين.
يؤكد الدكتور فابريس ديني، أخصائي السرطان ومؤسس معهد الوقاية وطول العمر، على أهمية الإشراف الطبي على هذه الاختبارات لتجنب الذعر والمعلومات المضللة. ومع ذلك، فإنه يذكر أيضًا بالقدرات المذهلة للطب الجيني، مثل منع مئات حالات الجلطات من خلال تحديد قابلية النساء لتأثيرات بعض الهرمونات.
في الختام، يبدو أن مستقبل الفحص الجيني في فرنسا يتجه نحو مزيد من التنظيم والرقابة، مع التركيز على الوقاية والتنبؤ المبكر بالأمراض. من المتوقع أن يناقش البرلمان الفرنسي تعديلات على القوانين الحالية بحلول منتصف عام 2026، بهدف تحقيق التوازن بين حماية الأفراد وتشجيع الابتكار في مجال الطب الوقائي. يبقى أن نرى كيف ستتطور هذه القوانين وما إذا كانت ستسمح بإجراء هذه الاختبارات على نطاق أوسع.












