يصادف اليوم مرور خمس سنوات على رحيل عميد الدراما السعودية محمد حمزة.
غيابٌ لم يُطفأ أثره، إذ كان مرجعية فنية لا تنتمي إلى جيل بعينه، بل إلى ذاكرة الدراما السعودية بأكملها.
محمد حمزة، يُستحضر اليوم بوصفه وعيًا دراميًا متقدًا، أعاد صياغة وظيفة الفن، وفتح أمام الدراما المحلية أبوابًا كانت موصدة، فجعلها خطابًا ثقافيًا يترسخ في وجدان الناس.
كيف لا؟! وهو الذي ما زالت أعماله حتى اليوم راسخة برسائلها الهادفة.
لقد كان حمزة قيمة مركبة: ممثل يمنح الشخصية صدقها، كاتب يزرع الفكرة في عمق النص، ومنتج يمتلك الجرأة على تحويل الحلم إلى صورة متحركة. بهذه الثلاثية ارتسمت ملامح مشروعه الفني الذي لم يتكئ على الوفرة، بل على الكثافة، ولم يتعمد الركض خلف العدد، بل خلف البصمة. فالقيمة عنده لم تكن في تراكم العناوين، بل في خلود التجربة، وفي تحويل العمل إلى علامة يصعب تجاوزها.
أرسى حمزة، قناعة بأن الدراما ليست استعراضًا بصريًا عابرًا، وإنما مرآة المجتمع وذاكرته الطويلة.
كل حضور له على الشاشة كان بمثابة إعلان عن أن الفن قادر على أن يعكس أسئلة الناس، ويمنح وجوههم حضورًا في فضاء جماعي، ويضع المجتمع أمام صورته كما لم يرها من قبل.
لقد فتح للدراما السعودية أفقًا يتجاوز المحلية الضيقة إلى أفق عربي واسع، مؤكدًا أن التجربة قادرة على أن تتنفس خارج حدودها.
بعد خمسة أعوام من الغياب، يبدو حمزة، حاضرًا أكثر من أي وقت مضى: في نقد الذاكرة، في سرديات البدايات، وفي كل قراءة جادة لتاريخ الدراما.
إن استعادة إرثه ليست ترفًا عاطفيًا، بل مسؤولية ثقافية، ووفاء لاسم صاغ هوية الدراما السعودية في لحظتها الأولى.
ولعلّ أقل ما يُنتظر أن يحمل مسرح اسمه في الرياض أو في جدة، تكريمًا لرجل لم يضيّع الفن في تفاصيل عابرة، بل جعله وعيًا يُكتب في سجل التاريخ.
أخبار ذات صلة