عندما ينكسر جسم ما، سواء كان طبقًا زجاجيًا أو قطعة سيراميك، يبدو المشهد فوضويًا للغاية. لكن وراء هذا التشتت العشوائي، يكمن سؤال علمي عميق: ما الذي يحكم طريقة تفتت المواد؟ أحدث الأبحاث تقدم قانونًا جديدًا يصف هذه العملية المعقدة، موضحًا كيف يمكن للفوضى أن تخفي نمطًا رياضيًا عالميًا.
الفيزيائي إيمانويل فيلرمو من جامعة إيكس مرسيليا في إيطاليا، يقترح أن عملية التفتت تتبع مبدأ “العشوائية القصوى”، وهو قانون بسيط وأنيق ينطبق على مجموعة متنوعة من المواد، بدءًا من الزجاج والسيراميك وصولًا إلى القطرات السائلة والفقاعات.
لماذا يتبع تفتت المواد قانونًا محددًا؟
لطالما تساءل العلماء عما إذا كانت هناك خصائص مشتركة لطريقة تفتت الأشياء. لاحظ الباحثون أن توزيع أحجام الشظايا الناتجة عن الكسر غالبًا ما يتبع نمطًا مشابهًا، بغض النظر عن المادة الأصلية. هذا يشير إلى وجود آلية أساسية تحكم العملية، مستقلة عن التفاصيل المحددة للجسم الذي ينكسر.
انطلق فيلرمو من ملاحظة أن حدث التكسّر عادة شديد الفوضى وسريع، ورأى أن النتيجة الأكثر احتمالا غالبا هي الأكثر عشوائية وليست انتظاما. وهذا المبدأ، الذي أسماه “العشوائية القصوى”، يعني أن الطبيعة تسعى إلى المسار الأقل مقاومة، وهو الأكثر تبعثرا.
لكن الفوضى، كما يؤكد الباحث، ليست بلا حدود. لذلك، أدخل فيلرمو قيدًا فيزيائيًا مهمًا يُعرف بـ “قانون الحفظ”. هذا القانون يمنع التغيرات العشوائية في النسبة بين الشظايا الكبيرة والصغيرة أثناء عملية التفتت، مما يوفر نوعًا من الاستقرار للنمط العام.
التجارب وتأكيد القانون
قام فيلرمو وفريقه بمقارنة تنبؤات هذا القانون الجديد بكمية كبيرة من البيانات المجمعة على مر السنين حول تفتت المواد المختلفة. ووجدوا تطابقًا ملحوظًا بين النموذج والنتائج التجريبية، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالمواد الهشة والسوائل.
علاوة على ذلك، أجرى الفريق اختبارًا مباشرًا من خلال سحق مكعبات سكر، وتمكنوا من التنبؤ بدقة بنمط توزيع أحجام الشظايا بناءً على هندسة المكعب الثلاثية الأبعاد. هذه النتائج تدعم فكرة وجود قانون كوني يحكم عملية التفتت.
قيود القانون وتطبيقاته المحتملة
بالرغم من قوة هذا القانون الجديد، إلا أنه لا يفسر كل سيناريوهات الانكسار. فهو يعمل بشكل أفضل في الحالات التي تكون فيها عملية التفتت عشوائية تمامًا، مثل سقوط كأس على الأرض. تستبعد هذه الطريقة المواد التي تتميز بمرونة عالية مثل أنواع معينة من البلاستيك، حيث لا يتبع الكسر هذا النمط.
كما أن القانون يفقد فعاليته في الحالات التي تتأثر فيها عملية التفتت بعوامل خارجية منظمة، مثل التوتر السطحي الذي يؤدي إلى تقسيم الماء إلى قطرات متساوية تقريبًا. في هذه السيناريوهات، تهيمن آليات محددة على عملية الانقسام، مما يقلل من دور الفوضى العشوائية.
تشير نتائج هذا البحث إلى أن هناك مبادئ أساسية تحكم العمليات الفيزيائية المعقدة على نطاق واسع. علم المواد والفيزياء الاحصائية قد يستفيدان بشكل كبير من هذا الاكتشاف.
تعتبر الخطوة التالية هي تطبيق هذا القانون على نطاق أوسع من المواد وظروف التفتت المختلفة، بهدف فهم أفضل للقيود والتحسينات المحتملة. كما يتطلع الباحثون إلى استكشاف التطبيقات العملية لهذا الاكتشاف، مثل تصميم مواد أكثر مقاومة للكسر أو تطوير طرق جديدة للتصنيع.













