في خطوة أثارت قلقًا واسعًا في الأوساط الطبية، بدأت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية بتنفيذ خفض كبير في ميزانية مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، ما أدى إلى إغلاق عدد من المختبرات المتخصصة، بينها مركز أساسي كان يتابع تطور الأمراض المنقولة جنسيًا، وعلى رأسها السيلان المقاوم للعلاجات المعروفة.
القرار يأتي في وقت حرج، حيث يواصل “السوبر سيلان” – السلالة شديدة المقاومة من البكتيريا المسببة لمرض السيلان – الانتشار، مثيرًا مخاوف من فقدان السيطرة على أحد أخطر التهديدات الصامتة للصحة العامة. المختبر المُغلق كان الوحيد في البلاد القادر على إجراء اختبارات دقيقة لتحديد فعالية المضادات الحيوية على هذه السلالة، وكان يُشكل دعامة رئيسية في رسم السياسات العلاجية.
تقديرات حديثة أشارت إلى تسجيل أكثر من 700 ألف إصابة سنويًا بالسيلان في الولايات المتحدة، وسط تصاعد لافت في أعداد الحالات بين فئة الشباب. وقد بيّنت تحليلات سابقة أن بعض السلالات لم تستجب سوى لتركيبات محدودة ونادرة من الأدوية، ما يعزز المخاوف من ظهور نسخة لا علاج لها.
الإجراءات التقشفية التي أدت إلى هذا الإغلاق شملت خفضًا يُقدّر بنحو 40 مليار دولار من ميزانية الصحة العامة، وأثّرت كذلك على مختبرات تتابع أمراضًا مزمنة أخرى، مثل الزهري والتهاب الكبد الفيروسي وبعض أشكال الكلاميديا المقاومة.
خبراء الأمراض المعدية حذروا من التداعيات الخطيرة لهذا القرار، مؤكدين أن ما فُقد لا يقتصر على بنية تحتية مخبرية، بل يشمل نظامًا متكاملًا للرصد المبكر كان يمنع تحوّل الأزمات الصحية إلى أوبئة واسعة الانتشار، حيث شبّه أحد الأطباء الموقف بـ”التحليق وسط عاصفة بعد تدمير الرادار”.
وتتوالى ردود الفعل المنتقدة للقرار، حيث اعتبرت منظمات صحية مثل “جمعية الصحة العامة الأمريكية” و”شبكة الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيًا” أن هذه السياسة تُهدّد جهود عقود في مجال الوقاية، وتضعف قدرة البلاد على الاستجابة السريعة لتفشيات محتملة. وقد بادرت بعض الولايات، مثل نيويورك وكاليفورنيا، بدراسة خطط لإنشاء مختبرات محلية، في حين خصصت سياتل تمويلًا استثنائيًا لدعم مختبرها الإقليمي.
في ظل هذا الوضع، طالب الأطباء والناشطون بإعادة النظر في هذه التخفيضات، وتوفير تمويل طارئ يضمن استمرارية برامج المراقبة الصحية. ويرى كثيرون أن تكلفة الاستعداد المسبق، رغم التحديات المالية، تبقى أقل بكثير من كلفة إدارة كارثة وبائية جديدة.