كشف فيلم وثائقي أجرته قناة الجزيرة بعنوان “اختراق من الداخل” عن ثغرات أمنية مقلقة داخل جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، مما أثار تساؤلات حول فعالية الإجراءات الأمنية الإسرائيلية. يسلط الفيلم الضوء على حالات تجسس متعددة، بعضها داخل الجهاز نفسه، مما يهدد مفهوم “الحصن الأمني الأقوى في العالم” الذي لطالما روجت له إسرائيل. هذا التقرير يتناول تفاصيل هذه الاختراقات وتداعياتها المحتملة على الأمن الإسرائيلي.
الفيلم الوثائقي يستعرض قصص جواسيس نجحوا في اختراق الشاباك ليس فقط من الخارج، بل من خلال التسلل إلى وظائف حساسة داخل الجهاز وحتى الوصول إلى مكاتب كبار المسؤولين. هذه الاختراقات لم تقتصر على جمع المعلومات، بل امتدت إلى إفشال عمليات أمنية وتزويد دول معادية بمعلومات استراتيجية حيوية، وفقًا للشهادات الواردة في الفيلم. وتثير هذه الحالات جدلاً واسعاً حول مدى قدرة إسرائيل على حماية أسرارها.
ليفي ليفي.. الجاسوس الذي توغل في “الشاباك”
تعتبر قضية ليفي ليفي من أبرز الحالات التي كشف عنها الفيلم، حيث نجح مهاجر يهودي بولندي في الحصول على وظيفة داخل قسم العمليات في الشاباك عام 1948. وعمل ليفي لمدة 11 عامًا، مستغلاً منصبه في زرع أجهزة تنصت في سفارات دول أوروبا الشرقية.
لكن المفاجأة كانت أن ليفي لم يكن يقوم بهذه المهمة لصالح إسرائيل، بل كان يمرر معلومات تفصيلية عن هذه العمليات إلى المخابرات البولندية، محذرًا إياهم من أي تهديدات محتملة. وقد سمح هذا للجواسيس البولنديين بتجنب العمليات الإسرائيلية لسنوات، مما ألحق ضررًا كبيرًا بجهود جمع المعلومات الإسرائيلية.
وصف المحلل الاستخباراتي يوسي ميلمان هذا الاختراق بأنه سمح بوجود “ذئب يحرس الحليب”، مشيرًا إلى أن دوافع ليفي كانت مالية بحتة. وقد أدت هذه القضية إلى إعادة تقييم شاملة لأساليب العمل في الشاباك وتغيير الأسماء الحركية المستخدمة.
اختراقات أخرى هزت الشاباك
لم تقتصر الاختراقات على حالة ليفي ليفي، بل امتدت لتشمل شخصيات أخرى شغلت مناصب عليا في الدولة الإسرائيلية. فقد سلط الفيلم الضوء على قضية إسرائيل بير، الذي عمل كمستشار خاص لرئيس الوزراء ووزير الدفاع ديفيد بن غوريون في الخمسينيات.
استغل بير منصبه الرفيع وقربه من بن غوريون للحصول على معلومات سرية حول التكتيكات والاستراتيجيات العسكرية الإسرائيلية، وقام بتسليمها إلى الاتحاد السوفيتي. وقد استمر في هذا النشاط التجسسي لسنوات قبل أن يتم القبض عليه متلبسًا أثناء تسليم وثائق حساسة لمسؤول سوفيتي.
وحسب شهادات سابقة، فقد اعترف بير بأنه كان مدفوعًا بقناعة بأن الاتحاد السوفيتي يمثل قوة عالمية مهمة. وقد حُكم عليه بالسجن لمدة 15 عامًا، في قضية أثارت جدلاً واسعًا حول مدى قدرة إسرائيل على حماية أسرارها من الداخل.
تهديدات على البنية التحتية الحيوية والبرامج النووية
بالإضافة إلى الاختراقات السياسية والعسكرية، كشف الفيلم عن محاولات تجسس استهدفت البنية التحتية الحيوية والبرامج العلمية الإسرائيلية. فقد تم الكشف عن تورط شمعون ليفينزون، وهو ضابط أمن في مكتب رئيس الوزراء، في بيع أسرار الدولة إلى الاتحاد السوفيتي في التسعينيات مقابل مبالغ مالية كبيرة.
كما سلط الفيلم الضوء على قضية غونين سيغيف، وزير الطاقة الأسبق، الذي تم تجنيده من قبل المخابرات الإيرانية في عام 2012 لتزويدها بمعلومات حساسة عن قطاع الطاقة والأمن الإسرائيلي.
وتشمل القضايا الأخرى التي تناولها الفيلم تجسس ماركوس كلينبيرج، وهو عالم في المعهد البيولوجي، الذي سرب أسرار الأسلحة البيولوجية والكيميائية إلى السوفييت، وقضية البروفيسور كورت سيتا، الذي قدم معلومات عن البرنامج النووي الإسرائيلي إلى التشيك والسوفييت، بالإضافة إلى قضية مردخاي فعنونو، الذي فضح القدرات النووية الإسرائيلية للعالم.
تداعيات الاختراقات على الأمن القومي
تثير هذه الاختراقات المتعددة تساؤلات جدية حول فعالية الإجراءات الأمنية الإسرائيلية وقدرتها على حماية أسرارها من التجسس الداخلي والخارجي. وتشير إلى وجود ثغرات هيكلية وإجرائية في نظام الأمن الإسرائيلي، مما يتطلب إجراء مراجعة شاملة وتحديثًا للبروتوكولات الأمنية.
قد تؤدي هذه الاختراقات إلى فقدان الثقة في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وتضعف قدرتها على مواجهة التهديدات المستقبلية. كما أنها قد تشجع دولًا معادية على زيادة جهودها التجسسية ضد إسرائيل.
من المتوقع أن يدفع هذا الفيلم الوثائقي إلى فتح تحقيق رسمي في هذه القضايا، وتقييم الأضرار التي لحقت بالأمن القومي الإسرائيلي. كما قد يؤدي إلى تغييرات في القيادة العليا في الشاباك، وإعادة هيكلة الجهاز لتعزيز قدراته على مكافحة التجسس.
في الوقت الحالي، لم يصدر أي تعليق رسمي من الشاباك أو الحكومة الإسرائيلية بشأن الفيلم الوثائقي. ومع ذلك، من المتوقع أن يتم مناقشة هذه القضايا في الكنيست الإسرائيلي خلال الأيام القادمة، وأن يتم اتخاذ إجراءات لمعالجة الثغرات الأمنية التي كشف عنها الفيلم.
يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى قدرة إسرائيل على استعادة ثقتها في أجهزتها الأمنية، وتعزيز قدرتها على حماية أسرارها في مواجهة التهديدات المتزايدة. وسيكون من المهم مراقبة التطورات المستقبلية، وتقييم الإجراءات التي ستتخذها إسرائيل لمعالجة هذه القضايا الحساسة، خاصة فيما يتعلق بـمكافحة التجسس وحماية المعلومات السرية.













