بقلم: يورونيوز
نشرت في
في ظل استمرار الأوضاع المعقدة التي تشهدها العديد من المناطق السورية، تُظهر التجربة الميدانية في محافظة السويداء فجوةً واضحة بين الخطاب الرسمي للدولة، ممثلةً بوزارات الدفاع والداخلية، وبين سلوكيات بعض العناصر الأمنية والعسكرية على الأرض.
ففي محاولة لاحتواء التوترات التي تصاعدت في محافظة السويداء، وجه وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصيرة، رسالة مباشرة إلى عناصر الجيش المنتشرين في المحافظة، دعاهم فيها إلى “حماية المواطنين ومساندتهم في مواجهة العصابات الخارجة عن القانون”، مؤكّدًا أهمية الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، ومشيرًا إلى أن “كل تقصير يُسجل وكل تهاون يُحاسب”.
كما شددت وزارة الداخلية على ضرورة التزام عناصرها بأعلى درجات الانضباط، مع التأكيد على عدم التعرض للمدنيين أو التعدي عليهم تحت أي ذريعة كانت.
هذه التوجيهات، التي تبدو في ظاهرها إيجابية وتحمل مضمونًا إنسانيًا واضحًا، لم تترجم إلى واقع حقيقي على الأرض، بل ظلت مجرد كلمات لم ترقَ إلى مستوى التنفيذ الفعلي، وهو ما أثبتته سلسلة الانتهاكات التي تم توثيقها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
توثيق الانتهاكات: صور ومقاطع تفضح الواقع المرير
رصدت “يورونيوز”، عبر المصادر المفتوحة ومن خلال تحليل محتوى منصات التواصل الاجتماعي، عشرات الفيديوهات التي توثق انتهاكات ارتكبها بعض عناصر الجيش والأجهزة الأمنية بحق أهالي السويداء.
ومن بين أبرز هذه الانتهاكات، ظهرت مشاهد لعناصر تتعمد قص شوارب الشبان والشيوخ، وهي ممارسة تُعدُّ في الثقافة المحلية انتهاكًا لكرامة الرجل، وتتعارض مع القيم المجتمعية الراسخة، مما أثار غضبًا شعبيًا واسعًا.
كما تم توثيق حالات إجبار مواطنين على تقليد أصوات الحيوانات كوسيلة لإهانتهم واستفزاز مشاعرهم، في سلوك يفتقر إلى الحد الأدنى من الاحترام الإنساني. إلى جانب ذلك، سُجّلت عمليات سرقة ممنهج لممتلكات خاصة، بدعوى أنها غنائم حرب، دون أي رقابة أو مساءلة، ما يُشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون وحقوق الملكية.
ولم تخلُ المشاهد أيضًا من عبارات تحريضية وطائفية، تضمنت إهانات مركبة ضد الطائفة الدرزية، وخطابًا تحريضيًا دعا إلى العنف والقتل، مصحوبًا باستخدام ألفاظ مسيئة تنم عن كراهية وعنصرية.
مشاهد موازية: التزام بالتعليمات ومساعدة المواطنين
إلى جانب المشاهد السابقة، سُجلت أيضًا مقاطع تظهر عناصر من الجيش والأمن التزموا الأوامر والتوجيهات، وقدّموا المساعدة للأهالي، وشاركوا في أعمال إعادة الاستقرار وتنظيف المواقع المتضررة، وهو ما يدل على وجود إرادة لدى بعض الوحدات، لكنها لم تكن القاعدة ولا النموذج السائد.
واندلعت المواجهات في مدينة السويداء قبل أيام إثر حادثة خطف تاجر درزي على يد مسلحين من البدو أقاموا حواجز على الطريق الواصل بين دمشق والسويداء، ما أدى إلى عمليات خطف متبادلة وتطور الموقف إلى مواجهات مسلحة استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة وقذائف الهاون.
ومنذ تولي الحكومة الانتقالية ذات التوجّه الإسلامي مقاليد السلطة، وجّه المجتمع الدولي دعوات متكررة إلى ضرورة حماية الأقليات وضمان مشاركتهم في المرحلة الانتقالية.
وقد تزايدت هذه المطالب في أعقاب عدد من الحوادث الطائفية، أبرزها المجازر التي حدثت بحق أبناء الطائفة العلوية في آذار/ مارس الماضي راح ضحيتها أكثر من 1500 قتيل وفق تقارير إعلامية استقصائية والهجوم الانتحاري الذي استهدف كنيسة في دمشق في حزيران/يونيو الماضي وأودى بحياة 25 شخصاً، واتهمت السلطات تنظيم “داعش” بتنفيذه.