في موقف ساخر، قلل رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني من أهمية ما يعرف إعلاميًا بقضية “قطر غيت”، قائلاً خلال لقائه مع نظيره التركي هاكان فيدان إنه لا يعرف شيئًا بهذا الاسم، بل يعرف فقط فضيحة “ووترغيت” الأميركية الشهيرة.
وأضاف المسؤول القطري: “العمل على شيطنة الدور القطري في المفاوضات بهدف تحجيمه لن ينجح، وما يسمى “قطر غيت” هي بروباغندا صحفية لأغراض سياسية، وليس لها أي أساس من الصحة”.
بتصريحه هذا، سعى آل ثاني إلى التقليل من حجم الاتهامات التي تتصدر عناوين الأخبار في إسرائيل حول تورط قطر في محاولة التأثير على دوائر الحكم عبر أموال مشبوهة.
القضية التي أطلق عليها الإعلام اسم “قطر غيت” بدأت بالتحقيقات قبل أكثر من شهرين، لكنها أخذت منحى أكثر خطورة مؤخرًا مع إصدار مذكرات اعتقال بحق اثنين من المستشارين السابقين لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهما يوناتان أوريخ وإيلي فيلدشتاين.
ويشتبه بأن الرجلين شاركا في حملات لصالح قطر بهدف تحسين صورتها دوليًا، وذلك عبر تلقي أموال غير معلنة من جماعات ضغط قطرية، بحسب تقارير إعلامية إسرائيلية.
لوبيات على علاقة بقطر
قبل أسابيع، غادر نتنياهو فجأة جلسة محاكمته الجارية بتهم فساد، للإدلاء بشهادته في تحقيق منفصل يتعلق بعلاقات مستشاريه مع قطر، مؤكدًا أن لا علاقة له شخصيًا بهذه الاتهامات. وأوضحت هيئة البث الإسرائيلية أن نتنياهو ليس مشتبهًا به، لكن القضية تمسّ مقربين منه بشكل مباشر.
التحقيقات، التي لا تزال تحت أمر حظر نشر قضائي، أشارت إلى أن أوريخ وفيلدشتاين يواجهان اتهامات خطيرة تشمل الرشوة، الاتصال بعميل أجنبي، خيانة الأمانة، غسيل الأموال، وجرائم ضريبية.
وتنص المادة 114 من قانون العقوبات الإسرائيلي على أن الاتصال بجهة أجنبية معادية أو ذات مصالح متعارضة مع مصالح إسرائيل، يعاقب عليه بالسجن لمدة تصل إلى 15 سنة، وقد تمتد إلى السجن المؤبد إذا ثبت ارتباط ذلك بالتجسس أو تسريب معلومات حساسة.
وفق ما نقلته صحيفة “هآرتس”، اعترف رجل الأعمال الإسرائيلي جيل بيرغر في تسجيلات صوتية بتحويل أموال عبر جماعات ضغط قطرية إلى فيلدشتاين. كما كشفت التحقيقات أن فيلدشتاين قد يكون تلقى أموالًا من رجل الأعمال الأميركي جاي فوتليك، المرتبط بلوبيات داعمة لقطر، مقابل الترويج لصورة إيجابية عن الدوحة حينما كان في الدائرة الإعلامية المقربة من نتنياهو.
محامو فيلدشتاين أقروا بتلقي موكلهم مبالغ مالية من بيرغر، لكنهم أصروا على أن الأموال كانت مقابل خدمات استراتيجية وليس لصالح قطر مباشرة. إلا أن التحقيقات تعززت بإشارات إضافية عن إدارة حملات علاقات عامة لتحسين صورة قطر، شارك فيها أوريخ وأينهورن قبل استضافة الدوحة لمونديال 2022.
“مطاردة سياسية”
في إسرائيل، يُنظر إلى هذه التطورات بجدية بالغة، نظراً لاحتمال تأثيرها على الأمن القومي. فوفقًا للقانون، فإن تسريب معلومات أو العمل لصالح طرف أجنبي في قضايا حساسة، حتى دون وجود ضرر مباشر، يكفي لتوجيه تهم ثقيلة.
من جانب آخر، وصف نتنياهو التحقيقات بأنها “مطاردة سياسية”، مؤكدًا عبر بيان مصور أنه تعاون بالكامل مع المحققين وأنه مقتنع ببراءة مستشاريه. لكنه في المقابل، يواجه انتقادات متزايدة من بعض الخبراء والمسؤولين السابقين.
وزير القضاء الإسرائيلي الأسبق شمعون شتريت اعتبر أن القضية تستند إلى “أدلة قوية”، محذرًا من علاقات مالية مشبوهة تمتد إلى دول أخرى، مما قد يحمل تداعيات خطيرة على الأمن الإسرائيلي.
أما رئيس قسم الأبحاث السابق في الاستخبارات العسكرية، يوسي كوبرفاسر، فقد وصف الوضع بالغامض، داعيًا إلى انتظار نتائج التحقيقات قبل إصدار أحكام نهائية، رغم إقراره بأن التحركات القضائية الأخيرة تشير إلى تطورات ملموسة.
وفي ظل هذه الأجواء، تبقى قضية “قطر غيت” مفتوحة على احتمالات عديدة، وسط تساؤلات متزايدة حول حجم النفوذ الذي قد تمارسه قوى خارجية داخل الساحة السياسية الإسرائيلية، وحول مستقبل المقربين من نتنياهو في ظل هذه العاصفة القضائية المتسارعة.