في تطور لافت يثير تساؤلات إقليمية ودولية، تتفاعل قضية القنبلة غير المنفجرة في الضاحية الجنوبية لبيروت مع زيارة البابا ليو الرابع عشر إلى لبنان، وسط مطالبات أمريكية باستعادتها. وتأتي هذه التطورات بعد تقارير إعلامية عن أن الولايات المتحدة طلبت من الحكومة اللبنانية تسليم القنبلة، خشيةً من وقوعها في أيدي خصومها مثل روسيا أو الصين، واكتسابهم تقنيات عسكرية متقدمة.
تعتبر القنبلة، وهي من طراز GBU-39B وتصنعها شركة بوينغ، جزءًا من ترسانة الأسلحة التي استخدمها سلاح الجو الإسرائيلي مؤخرًا، بما في ذلك في الغارة التي استهدفت هيثم علي طبطبائي، وهو قيادي في حزب الله. وتثير هذه الحادثة جدلاً حول مدى تأثيرها على الاستقرار الإقليمي، والعلاقات بين الأطراف المعنية.
مطالبات أمريكية بالقنبلة: دوافع سياسية واستخباراتية
يقول الدكتور عمر نشابة، الباحث والأكاديمي المتخصص في العدالة الجنائية وحقوق الإنسان، إن الطلب الأمريكي يبدو “وقحًا” لأنه يشبه مطالبة مرتكب جريمة باستعادة أداة الجريمة. ويرى أن ذلك يشير إلى وجود أبعاد سياسية وأمنية كبيرة وراء هذا الإصرار.
ويؤكد نشابة أن الحادث قد يشكل “جريمة حرب” بموجب اتفاقيات جنيف، نظرًا لوقوع الاستهداف في منطقة مدنية، وفي ظل سريان اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في نوفمبر 2024. وبالتالي، فإن المطالبة باستعادة القنبلة تتجاوز مجرد الاستعادة التقنية إلى مسائل قانونية وأخلاقية.
ويرجح أن الدوافع الأمريكية تعود إلى الرغبة في الحفاظ على الأسرار العسكرية الإسرائيلية، وإلى ثقتها بأن لبنان يميل إلى التعاون مع مصالحها. ويشير إلى أن العديد من الضباط اللبنانيين تلقوا تدريبات في الولايات المتحدة، مما قد يعزز هذا التوقع بالتعاون.
القنبلة الذكية: طبيعتها التقنية والأخطار المحتملة
من الناحية التقنية، يعلق الخبير العسكري حسن جوني بأن انفجار القنبلة حاليًا أمر مستبعد إلا بوجود سبب خارجي. ويضيف أن الولايات المتحدة قد تسعى إلى “إغتيال” القنبلة عن بعد لمنع تسرب معلومات استخباراتية حساسة.
ويشدد جوني على أن القنبلة مزودة بنظام توجيه GPS متطور، والذي يعتبر بمثابة “عقلها”. ويسعى الأمريكيون لمنع وصول هذا النظام إلى دول منافسة مثل روسيا أو الصين أو إيران، تجنبًا لنسخه أو تحليله.
وتعتبر قنبلة GBU-39B سلاحًا دقيقًا يتميز بقدرته على تقليل الأضرار الجانبية، ومدى يصل إلى أكثر من 64 كيلومترًا. كما أنها قادرة على حمل عدة ذخائر موجهة، مما يزيد من فعاليتها في استهداف الأهداف المتعددة.
- دقة عالية وأضرار جانبية قليلة
- مدى موسّع يتجاوز 40 ميلاً بحريًا
- حاضن ذكي يحمل أربع قنابل
- مرونة في الإطلاق والتوجيه
- فعالية عالية وجهد لوجستي قليل
الجهة المالكة للقنبلة: سيناريوهات وتوقعات
لا يزال موقع القنبلة غير واضحًا، وتتداول الأوساط سيناريوهات مختلفة حول الجهة التي تمتلكها حاليًا. يرى البعض أن الحكومة اللبنانية قد تتسارع في تسليمها لواشنطن دون مقابل، بينما يعتقد آخرون أنها قد تكون في يد حزب الله.
في حال وقعت القنبلة في يد حزب الله، فقد يستخدمها كورقة ضغط في المفاوضات، أو يستفيد منها في تطوير قدراته العسكرية والاستخباراتية، خاصةً بعد التقارير التي تفيد بأن إسرائيل استخدمت هذا النوع من القنابل في عمليات سابقة. ومع ذلك، يرى جوني أن الحزب قد يعجز عن التعامل معها تقنيًا، وربما لجأ إلى الجيش اللبناني للتخلص منها.
ويرجح جوني أن الجيش اللبناني هو الجهة التي تحتفظ بالقنبلة حاليًا، في ظل السرية التي تحيط بالحادث، وحرص جميع الأطراف على عدم التصعيد. لكنه يضيف أن الحزب قد يعتبرها “مصدر قوة” في التفاوض، أو “عبئًا وتهديدًا” في الوقت نفسه.
تداعيات محتملة وتصعيد إسرائيلي مُحتمل على لبنان
مع اقتراب نهاية زيارة البابا ليو الرابع عشر، يخشى المراقبون من حدوث تصعيد إسرائيلي على خلفية تقارير تتحدث عن استعادة حزب الله لقدراته. وتعزز هذه المخاوف من التوتر القائم في المنطقة.
لكن جوني يرى أن الحزب “لم يستعد عافيته” بالكامل، نظرًا للظروف التي يواجهها في سوريا وداخل لبنان. ومع ذلك، يعتبر أن إعلانات الحزب عن الاستعداد للتصعيد تهدف إلى ردع إسرائيل. ويشير إلى أن هذا الخطاب قد يساهم في إشعال فتيل حرب جديدة.
من المتوقع أن يقرر الجانب الإسرائيلي خطواته التالية بعد انتهاء زيارة البابا، مع الأخذ في الاعتبار التطورات الأخيرة، والرسائل التي أرسلها الحزب. وسيظل الوضع في لبنان هشًا، ويتطلب حذرًا شديدًا من جميع الأطراف المعنية، ومتابعة دقيقة للتطورات الميدانية والإقليمية. الغموض حول مستقبل هذه القنبلة الذكية يظل قائمًا، مما يزيد من التعقيد في المشهد اللبناني.













