أثار إطلاق نموذج الذكاء الاصطناعي الجديد من غوغل، جيميناي 3.0، صدى واسعًا خلال مؤتمر “إم دبليو سي” (MWC) في برشلونة. توافد الزوار على جناح الشركة لمناقشة قدرات هذا النموذج المتقدم، واستطلعت الجزيرة آراء الخبراء حول ما إذا كانت غوغل قد استعادت زخمها في سباق الذكاء الاصطناعي. المدير العام الإقليمي لغوغل كلاود، غسّان كوستا، كشف عن تفاصيل رؤية الشركة الشاملة، والتي تتجاوز مجرد تطوير نموذج جديد، وتركز على بناء منظومة متكاملة للذكاء الاصطناعي.
تأتي هذه التطورات بعد فترة شهدت بعض التحديات لشركة غوغل في مجال الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك إطلاق نموذج “بارد” (Bard) الذي واجه انتقادات بسبب أخطائه وعدم جاهزيته. كما أثيرت تساؤلات حول وجود انقسامات داخلية بين فرق العمل، وتأخر غوغل في منافسة نماذج مثل GPT-4. لكن كوستا يؤكد أن جيميناي 3.0 ليس مجرد رد فعل، بل هو نتاج 27 عامًا من البحث والتطوير المتواصل.
بناء منظومة الذكاء الاصطناعي: ما وراء النموذج
يؤكد غسان كوستا أن قوة جيميناي 3.0 لا تكمن في النموذج نفسه فحسب، بل في منظومة الذكاء الاصطناعي الكاملة التي طورتهَا غوغل، والتي تمتد من العتاد الصلب (Hardware) وحتى البنية التحتية السحابية. هذه المنظومة تتضمن عدة طبقات مترابطة، تعمل معًا لضمان أداء وكفاءة النموذج.
الطبقة الأولى: شرائح تي بي يو (TPU) المتخصصة
تتميز غوغل بتركيزها على تطوير شرائح معالجة مخصصة للذكاء الاصطناعي، والمعروفة بـ “وحدات معالجة التنسور” (TPUs). هذه الشرائح، بدلاً من الاعتماد على معالجات الرسوميات (GPUs) من شركات أخرى، مصممة خصيصًا لتسريع عمليات التدريب والاستدلال في نماذج الذكاء الاصطناعي. الجيل السادس من هذه الشرائح، والمعروف باسم “TPU Trillium”، يقدم قدرة حسابية هائلة، مما يسمح بتدريب نماذج كبيرة الحجم بسرعة وكفاءة أكبر.
الطبقة الثانية: السحابة – العمود الفقري للبنية التحتية
تعتبر البنية التحتية السحابية لغوغل عنصرًا أساسيًا في منظومة الذكاء الاصطناعي. فهي توفر بيئة مستقرة وقابلة للتطوير لتدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى شبكات اتصالات فائقة السرعة ومراكز بيانات متطورة. هذا التكامل بين العتاد والبرمجيات والسحابة يسمح لغوغل بتحقيق أداء وكفاءة لا يمكن لمنافسيها الوصول إليها بسهولة.
الطبقة الثالثة: سلسلة الذكاء الاصطناعي – أدوات وتقنيات متكاملة
تعتمد غوغل على سلسلة متكاملة من الأدوات والتقنيات لتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك أطر التعلم العميق مثل TensorFlow، وأنظمة إدارة التدريب، وتقنيات التحسين. هذه الأدوات، المملوكة لغوغل وتطويرها داخليًا، تسمح لها بالتحكم الكامل في كل جانب من جوانب عملية تطوير الذكاء الاصطناعي.
الطبقة الرابعة: البيانات – الوقود الذي يغذي النماذج
تعتبر البيانات من أهم العناصر في منظومة الذكاء الاصطناعي. تمتلك غوغل كميات هائلة من البيانات المتنوعة، والتي يتم جمعها من خلال خدماتها المختلفة مثل محرك البحث، يوتيوب، الخرائط، والبريد الإلكتروني. هذه البيانات، بالإضافة إلى جودتها وتنوعها، تمثل ميزة تنافسية كبيرة لغوغلالتي تمكنها من تدريب نماذج ذكاء اصطناعي أكثر دقة وفعالية.
الطبقة الخامسة: النموذج نفسه – عقل متعدد الوسائط
جيميناي 3.0 يمثل الجيل الجديد من نماذج الذكاء الاصطناعي، حيث يتميز بقدرته على فهم ومعالجة أنواع مختلفة من البيانات، بما في ذلك النصوص، الصور، الفيديو، والصوت. هذه القدرة متعددة الوسائط، بالإضافة إلى بنيته المتقدمة، تسمح له بتحقيق أداء أفضل في مجموعة واسعة من المهام، بما في ذلك الترجمة، الإجابة على الأسئلة، وتوليد المحتوى. وفقًا لنتائج اختبارات LM Arena، تفوق جيميناي 3.0 على نماذج أخرى مثل Grok 4.1 وGPT-5.1 في مجالات متعددة بما في ذلك الاستدلال العلمي والبرمجة.
باختصار، يعكس نجاح جيميناي 3.0 رؤية غوغل الشاملة لبناء منظومة متكاملة للذكاء الاصطناعي، والتي تتجاوز مجرد تطوير نموذج جديد. الاستثمارات الضخمة في العتاد الصلب، والبنية التحتية السحابية، والأدوات والتقنيات المتخصصة، والبيانات المتنوعة، كلها عوامل ساهمت في تحقيق هذا النجاح.
في المستقبل القريب، من المتوقع أن تواصل غوغل تطوير وتحسين منظومة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، وإطلاق نماذج جديدة أكثر قوة وفعالية. سيتركز الاهتمام بشكل خاص على توسيع نطاق التطبيقات المتاحة لـجيميناي 3.0، وتحسين قدراته في مجالات مثل الصحة والتعليم والبحث العلمي. من المهم متابعة التطورات في هذا المجال، وتقييم تأثيرها على مختلف جوانب حياتنا.












