تواجه المؤسسات الفلسطينية في القدس تحديات متزايدة في ظل السياسات الإسرائيلية، وتسعى جاهدة لتقديم الخدمات الأساسية، وعلى رأسها التعليم في القدس، للمجتمع المحلي. هذه المؤسسات تعتبر خط الدفاع الأول عن الهوية الفلسطينية في المدينة، خاصةً مع النقص الحاد في الموارد والخدمات التي تقدمها الجهات الرسمية. وتعمل هذه المؤسسات على سد الفجوات في قطاعات حيوية مثل التعليم والثقافة، وتوفير الدعم اللازم للأطفال والشباب.
وتشهد القدس فجوة متنامية في قطاع التعليم، حيث يواجه الطلاب المقدسيون صعوبات جمة في الوصول إلى مدارس مجهزة ومناسبة. هذا النقص يؤثر بشكل كبير على جودة التعليم ومستقبل الأجيال القادمة. وتسعى المؤسسات الفلسطينية، بالتعاون مع المجتمع الدولي، إلى توفير بيئة تعليمية آمنة ومحفزة للطلاب، وتعزيز الهوية الفلسطينية لديهم.
أهمية التعليم في القدس وتحديات الاستمرار
تعتبر مؤسسة فيصل الحسيني من أبرز المؤسسات التي تعمل في مجال تطوير التعليم في القدس منذ عام 2002. وتركز المؤسسة على تطوير المناهج الدراسية، وتدريب المعلمين، وتوفير الدعم المالي للطلاب المحتاجين. وتهدف المؤسسة إلى إعداد جيل واعٍ ومثقف، قادر على مواجهة التحديات والدفاع عن حقوقه.
وفي سؤال للجزيرة نت، أوضح رئيس مجلس إدارة المؤسسة، عبد القادر الحسيني، أن الفجوات في قطاع التعليم في القدس هائلة، خاصةً على صعيد البنية التحتية. وأشار إلى أن هناك نقصًا كبيرًا في المقاعد المدرسية، حيث يدرس أكثر من 9 آلاف طفل في عمر الدراسة خارج حدود المدينة. هذه الفجوة في تزايد مستمر، مما يتطلب بناء المزيد من المدارس وتوفير المزيد من الموارد.
نقص الموارد والبنية التحتية
وأضاف الحسيني أن هناك حاجة لبناء 80 صفا دراسيا جديدا كل عام لمواكبة الزيادة السكانية. وأشار إلى أن مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية توفر جزءا من هذه الاحتياجات، نتيجة تقاعس الجهات الإسرائيلية عن القيام بواجبها في هذا المجال. كما أن هناك محاولات مستمرة لإغلاق المدارس التي تديرها المؤسسات الأهلية، مما يزيد من صعوبة الوضع.
وتنعكس هذه الظروف على جودة التعليم في القدس، حيث تظهر نتائج الامتحانات الدولية تدني المستوى التعليمي. ويعزى ذلك إلى عدة أسباب، منها وضع العراقيل أمام استقطاب المعلمين المتخصصين، وملاحقة المدارس التي تعلم المنهاج الفلسطيني، والإصرار على فرض منهاج يصور الفلسطيني على أنه أقل درجة.
التحديات الجمة التي تواجه المؤسسات الثقافية
بالإضافة إلى التحديات في قطاع التعليم، تواجه المؤسسات الثقافية في القدس صعوبات جمة في الحفاظ على الهوية الفلسطينية وتعزيزها. وتتعرض هذه المؤسسات للتهميش والمضايقات من قبل السلطات الإسرائيلية، مما يعيق عملها ويحد من تأثيرها. ومع ذلك، تسعى هذه المؤسسات إلى الاستمرار في عملها وتقديم الخدمات الثقافية للمجتمع المحلي.
وفي هذا السياق، أوضح مدير المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي)، عامر خليل، أن المؤسسات الثقافية تلعب دورًا حيويًا في الحفاظ على الرواية الفلسطينية من خلال الأعمال الفنية بجميع أشكالها. وأشار إلى أن المسرح قدم العديد من الأعمال التي تندرج في إطار حماية الرواية وتعزيزها، مثل المسرحيتين “المنشيّة” و”فسيفساء القدس”.
المراوغة كآلية للبقاء
وأكد خليل أن المؤسسات الثقافية في القدس تمرست في فن المراوغة وتمرير الأمور بشكل سلس دون التأثير على مجرى عملها. وأشار إلى أن كل مؤسسة أوجدت آلية خاصة بها من أجل البقاء والصمود، في ظل الهجمة الإسرائيلية على الثقافة الفلسطينية. وأضاف أن هذه الهجمة ليست وليدة اللحظة، بل هي مستمرة منذ سنوات طويلة.
وتشمل التحديات التي تواجه المؤسسات الثقافية المقدسية، بالإضافة إلى التهميش والمضايقات، شح التمويل وبطء أعمال البنية التحتية. ويعزى ذلك إلى منع العمال القادمين من الضفة الغربية من الوصول إلى القدس، مما يزيد من التكاليف ويؤخر إنجاز المشاريع.
وفي الختام، يظل مستقبل التعليم في القدس والثقافة الفلسطينية في المدينة رهنًا بالتطورات السياسية والأمنية. ومن المتوقع أن تستمر التحديات في التزايد، مما يتطلب المزيد من الدعم والتضامن من المجتمع الدولي. وسيبقى على المؤسسات الفلسطينية إيجاد طرق مبتكرة للتغلب على هذه التحديات والحفاظ على الهوية الفلسطينية في القدس.













