لطالما كانت الأتمتة قوة دافعة في التطور الاقتصادي، ولكن الموجة الحالية من التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي تختلف جوهريًا عن سابقاتها. فبدلًا من الاقتصار على استبدال الوظائف الروتينية، يمتد تأثير الذكاء الاصطناعي الآن ليشمل الأدوار المهنية عالية المهارة التي تشكل أساس اقتصاد المعرفة في القرن الحادي والعشرين. وتشير التوقعات إلى أن هذه التغييرات ستكون عميقة وغير مسبوقة في نطاقها وتأثيرها على سوق العمل.
تشير التقارير الصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي ومعاهد بحثية مرموقة إلى أن الذكاء الاصطناعي سيحدث تحولات كبيرة في الوظائف خلال السنوات القادمة. ويُتوقع أن يؤثر ذلك على ملايين العمال في مختلف أنحاء العالم، مع فرص لكل من فقدان الوظائف وخلق وظائف جديدة. هذه التغييرات تتطلب استعدادًا وتخطيطًا استباقيًا من الأفراد والمؤسسات على حد سواء.
كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على الوظائف والاقتصاد؟
وفقًا لمعهد ماكينزي العالمي، من المتوقع أن يعزز الذكاء الاصطناعي النشاط الاقتصادي العالمي بمقدار 13 تريليون دولار في المستقبل المنظور. ويرجع ذلك إلى زيادة الإنتاجية، وتحسين الكفاءة، وتطوير منتجات وخدمات جديدة. وتشير التوقعات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي التراكمي سيرتفع بنحو 16٪ بحلول عام 2030 مقارنة بالوضع الحالي، مع تبني الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع من قبل الشركات.
وتتوقع مجلة فوربس أن حوالي 70٪ من الشركات في جميع أنحاء العالم ستتبنى تقنيات الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، مما سيؤدي إلى تحولات جذرية في أساليب العمل والهياكل التنظيمية. هذا الانتشار الواسع للذكاء الاصطناعي سيخلق طلبًا متزايدًا على العمالة الماهرة القادرة على العمل جنبًا إلى جنب مع هذه التقنيات.
تأثير الأتمتة على قطاعات مختلفة
يتوقع تقرير صادر عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة بوسطن أن الذكاء الاصطناعي قد يحل محل ما يصل إلى مليوني عامل في قطاع التصنيع وحده بحلول عام 2026. بينما ستشهد القطاعات الأخرى، مثل الخدمات المالية والنقل، أيضًا تأثيرات كبيرة من الأتمتة.
ومع ذلك، فإن الأتمتة ليست مجرد قصة فقدان الوظائف. ففي دراسة أجرتها بنك غولدمان ساكس، تبين أنه على الرغم من إمكانية استبدال حوالي 300 مليون وظيفة بدوام كامل على مستوى العالم، إلا أن الذكاء الاصطناعي سيخلق أيضًا فرصًا جديدة في مجالات مثل تطوير البرمجيات، وتحليل البيانات، وإدارة الذكاء الاصطناعي.
كم عدد الوظائف التي سيحل محلها الذكاء الاصطناعي؟
تشير التقديرات إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى انخفاض صافي في عدد الوظائف يقدر بحوالي 14 مليون وظيفة على مستوى العالم خلال السنوات الخمس القادمة، وفقًا للنتائج التي توصل إليها المنتدى الاقتصادي العالمي. هذا يعني أن هناك حاجة ملحة لإعادة تدريب العمال وتزويدهم بالمهارات اللازمة للتنافس في سوق العمل المتغير.
وبحسب دراسة لمعهد ماكينزي العالمي، فإن الوظائف القائمة على المهام المتكررة والمهارات الرقمية المنخفضة هي الأكثر عرضة للخطر. في المقابل، فإن الطلب على الوظائف التي تتطلب مهارات معرفية واجتماعية ورقمية متقدمة سيزداد.
تغير توزيع الأجور
يتوقع التقرير أيضًا أن يؤدي انتشار الذكاء الاصطناعي إلى تغيير في توزيع الأجور. فمن المحتمل أن يشهد العاملون في مجالات المهارات الرقمية العالية ارتفاعًا في رواتبهم، بينما قد يواجه العاملون في الوظائف المتكررة المنخفضة المهارات ركودًا أو انخفاضًا في الدخول. هذا التسلسل الهرمي الجديد في الأجور قد يؤدي إلى تفاقم التفاوت في الدخل.
كيف تنقذ وظيفتك في عصر الذكاء الاصطناعي؟
في ظل هذه التحولات، يصبح تطوير المهارات واكتساب الخبرات الجديدة أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على القدرة التنافسية في سوق العمل. يجب على العاملين التركيز على اكتساب المهارات التي يصعب على الذكاء الاصطناعي محاكاتها، مثل الإبداع وحل المشكلات والتفكير النقدي والذكاء العاطفي.
ويوصي خبراء جامعة نكسفورد بالاستثمار في التعلم مدى الحياة، وذلك لاكتساب مهارات جديدة والتكيف مع التغيرات المتسارعة في التكنولوجيا. كما يشددون على أهمية بناء خبرة عميقة في مجال معين، وتطوير القدرة على العمل بفاعلية في الفرق، والتحلي بالمرونة المهنية. إن إتقان الذكاء الاصطناعي نفسه، حتى على مستوى المستخدم، يمكن أن يكون ميزة كبيرة في العديد من المجالات.
يجب على المؤسسات أيضًا أن تلعب دورًا فعالًا في إعادة تدريب العمال وتزويدهم بالمهارات اللازمة لمواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي. يمكن القيام بذلك من خلال تقديم برامج تدريبية داخلية، والشراكة مع المؤسسات التعليمية، وتشجيع التعلم المستمر. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومات وضع سياسات داعمة لتعزيز الابتكار وتشجيع الاستثمار في التقنيات الجديدة.
المستقبل القريب سيشهد زيادة في الاستثمارات في برامج إعادة التأهيل المهني، ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن مبادرات حكومية جديدة بحلول الربع الأول من عام 2024 لدعم العمال المتضررين من الأتمتة. ومع ذلك، تظل هناك حالة من عدم اليقين بشأن مدى سرعة انتشار الذكاء الاصطناعي وتأثيره الفعلي على سوق العمل، مما يتطلب مراقبة دقيقة وتقييمًا مستمرًا.













