أطلقت الرسوم الجمركية التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أبريل/نيسان من العام الجاري، فيما وصفه “بيوم التحرير”، موجة واسعة من التغييرات في مشهد التجارة العالمية، وأسفرت عن اتفاقات تجارية جديدة مع أبرز الشركاء التجاريين للولايات المتحدة. ومن المتوقع أن تظل هذه الرسوم الجمركية، ورد الفعل العالمي عليها، في صدارة المشهد خلال 2026، لكنها ستواجه تحديات كبيرة تتطلب مراقبة دقيقة.
وتأتي هذه التطورات في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي تحولات هيكلية عميقة، بما في ذلك إعادة تشكيل سلاسل الإمداد وتزايد التوترات الجيوسياسية. وقد أثرت السياسات التجارية لترامب بشكل مباشر على حجم التجارة العالمية وأنماطها، مما استدعى استجابات متنوعة من الدول المتضررة.
إيرادات ضخمة للخزانة الأميركية وتأثيرها على الميزان التجاري
أفاد تقرير مالي لمختبر الميزانية بجامعة ييل الأميركية، نقلته وكالة رويترز، أن سياسات ترامب التجارية رفعت متوسط معدل الرسوم الجمركية إلى ما يقرب من 17% بعد أن كانت أقل من 3% في نهاية عام 2024. وتدر الرسوم الجمركية حاليا إيرادات قدرها نحو 30 مليار دولار شهريا للخزانة الأميركية.
ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، نجحت رسوم ترامب الجمركية في تحقيق أحد أهم أهدافها، وهو خفض العجز في الميزان التجاري الأميركي. فقد انخفض العجز بنسبة 10% بنهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، ليبلغ 52.8 مليار دولار، وهو الأدنى منذ عام 2020.
اتفاقيات تجارية جديدة وردود فعل دولية
دفعت رسوم ترامب التجارية قادة العالم إلى الإسراع نحو واشنطن سعيا إلى إبرام اتفاقيات لخفض الرسوم، مقابل تعهدات باستثمارات بمليارات الدولارات داخل الولايات المتحدة. وقد تم التوصل إلى اتفاقيات إطارية مع مجموعة من كبار الشركاء التجاريين لواشنطن، من بينهم الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وسويسرا واليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام ودول أخرى.
وانتقد البعض، مثل رئيس وزراء فرنسا آنذاك، موافقة الاتحاد الأوروبي على الرسوم، معتبرين إياها شكلاً من أشكال الخضوع. ومع ذلك، رأت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن الاتفاقية تمثل أفضل الخيارات المتاحة في ظل الظروف الراهنة.
تأثير الرسوم على الاقتصاد الأوروبي
على الرغم من الانتقادات، تمكن المصدرون والاقتصادات الأوروبية من التكيف مع المعدل الجديد للرسوم، بفضل إعفاءات متنوعة وقدرتهم على إيجاد أسواق بديلة. وقدر بنك سوسيتيه جنرال الفرنسي أن الأثر المباشر الإجمالي للرسوم يعادل نحو 0.37% فقط من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي.
غموض مستقبل الرسوم الجمركية والعلاقات التجارية
لا يزال مستقبل الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب غامضا، خاصة مع بدء المحكمة العليا في الولايات المتحدة النظر في الطعن على الأساس القانوني لهذه الرسوم. إذا خسرت إدارة ترامب الدعوى، فقد يفتح ذلك الباب أمام إعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية أو حتى إلغاء بعض الرسوم.
ومع ذلك، تؤكد إدارة ترامب أنها تستطيع استخدام سلطات قانونية أخرى للإبقاء على الرسوم، لكن هذه المسارات أكثر تعقيدا وقد تكون محدودة النطاق. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال ملف العلاقات التجارية مع الصين يمثل تحديا كبيرا، حيث لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي حتى الآن.
وتلوح في الأفق مساعي تثبيت الاتفاق بين الولايات المتحدة والصين بوصفها ملفا تجاريا بالغ الأهمية. فالتهدئة الهشة التي جرى التوصل إليها في محادثات هذا العام ستنتهي في النصف الثاني من 2026، ومن المقرر مبدئيا أن يلتقي ترامب وشي مرتين خلال العام المقبل. كما أن اتفاقية التجارة الحرة مع كندا والمكسيك ستخضع للمراجعة في 2026.
بشكل عام، من المتوقع أن يشهد عام 2026 استمرار التوترات التجارية العالمية، مع تركيز خاص على مستقبل الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، ومفاوضات التجارة مع الصين وكندا والمكسيك. وستظل التطورات في هذه المجالات حاسمة لتحديد مسار النمو الاقتصادي العالمي في السنوات القادمة.













