في سبيل تعزيز نمط حياة صحي نتناول نظاما غذائيا متوازنا، ومن المحتمل أنك تولي اهتماما بصحتك البدنية وتتبع توصيات المشي 10 آلاف خطوة، كذلك بات العديد من الناس على دراية بمشكلات الصحة العقلية وإدارة مستويات التوتر بإستراتيجيات معينة مثل تمارين التنفس العميق والتأمل الذاتي.
ومع ذلك، لا تزال معادلة الصحة العامة غير مكتملة، وينقصها جزء مهم يتغافل عنه الكثيرون، وهو اللياقة الاجتماعية، إذ إنه نادرا ما نتلقى نصائح حول كيفية الحفاظ على حياة اجتماعية صحية.
كيف نحافظ على صحتنا الاجتماعية؟
طوّرت عالمة الاجتماع وخبيرة الصحة الاجتماعية التي تخرجت في جامعة هارفارد، كاسلي كيلام، نوعا من برامج التدريب الاجتماعي الذي يمكن الاعتماد عليه لتعزيز حياة اجتماعية صحية وضمان الحصول على ما يكفي من التفاعلات الاجتماعية الإيجابية، ووضّحت هذا المبدأ التوجيهي الذي سمته “5-3-1” بالتفصيل في كتابها الذي صدر مؤخرا “فن وعلم الاتصال”.
وقالت كيلام لموقع “إنسايدر”، إنها تهدف إلى أن تكون قاعدة (5-3-1) نقطة مرجعية ونهجا عمليا ومرنا لتحسين الصحة الاجتماعية ومكافحة مشاعر العزلة والوحدة التي يعاني منها ربع سكان العالم تقريبا ولتكن على غرار التوصية بشرب 8 أكواب من الماء أو النوم 8 ساعات.
طريقة تطبيق قاعدة “5-3-1”
التواصل مع 5 أشخاص مختلفين كل أسبوع
توضح كيلام في كتابها “فن وعلم الاتصال” أن هؤلاء الأشخاص يمكن أن يكونوا من الأصدقاء وأفراد الأسرة وزملاء العمل والجيران، كذلك يمكن أن تكون العلاقات العابرة في حياتك جزء من هذا التواصل مثل إجراء محادثات بسيطة مع موظف متجر الحيوانات الأليفة الذي يتذكر قطتك، أو عامل المقهى أو الأشخاص الذين تراهم باستمرار في صالة الألعاب الرياضية أو التعرف على أشخاص جدد من خلال حضور مناسبات مجتمعية والبحث عن مجموعات تجتمع حول نشاط أو هواية تحظى باهتمامك.
ووجدت دراسة نشرتها دورية علم النفس الاجتماعي عام 2014 أن الأشخاص الذين لديهم المزيد من التفاعلات البسيطة والعلاقات العابرة هم أكثر سعادة ممن لديهم تفاعلات أقل، وأن الأشخاص يشعرون بسعادة أكثر في الأيام التي يزداد فيها متوسط تفاعلاتهم العابرة.
وربطت دراسة أجرتها كلية هارفارد للأعمال عام 2022 بين تنوع العلاقات الاجتماعية وزيادة مستوى الرفاهية، وكذلك توفير مجموعة متنوعة من وجهات النظر وإثراء تجاربنا الاجتماعية.
3 علاقات وثيقة على الأقل
تسلط عالمة الاجتماع الضوء على أهمية التركيز على 3 علاقات عميقة تلجأ إليها للتعبير عن انتصاراتك وهمومك ومخاوفك وطلب الدعم وقت الحاجة، أصدقاء تكون معهم على طبيعتك وتستطيع الاعتماد عليهم بدون أدنى شك، وعليك أن تخطط للقيام بأشياء ماتعة معا أو مجرد لقاء لتناول القهوة، ولا ينبغي أن يكون الأمر مكلفا إذ إن التواصل وجها لوجه بانتظام هو ما يهم أكثر.
ولتحديد هوية أقوى الروابط في حياتك، تقترح كيلام، وتقول: “فكر فيمن تكتب إليه فورا عندما يكون لديك أخبار جيدة أو سيئة ويتصدر قائمة رسائلك على الهاتف، ومن الذي تفتقده في كثير من الأحيان، ومن تحدده كجهة اتصال في حالات الطوارئ”.
ساعة يومية من التفاعل الجيد
احرص على تخصيص ساعة واحدة من التفاعل الاجتماعي الهادف خلال اليوم، ووفق كيلام، لا يعني ذلك مقابلة شخص ما لمدة ساعة، وإنما توزيع هذه المدة وتقسيمها على مدار اليوم من خلال التحدث مع زميل العمل لمدة 10 دقائق أو تناول القهوة معه وقت الاستراحة أو الاتصال بصديق في طريق العودة إلى المنزل أو إجراء مكالمة فيديو مع الوالدين في المساء أو نزهة مع أحد أفراد الأسرة وغيرها.
قاعدة مرنة وغير ملزمة
في حديثها مع شبكة “سي إن بي سي” أوضحت كيلام أن نهج “5-3-1” لا يعد معيارا صارما، بل هو إرشادات لمساعدتك على التفكير في صحتك الاجتماعية، وقد تحتاج إلى تعديل القاعدة لتناسب احتياجاتك وأسلوبك، فمثلا إذا كنت شخصا اجتماعيا، قد تتطلع إلى المزيد من التفاعلات الاجتماعية، بينما قد يجد الانطوائيون أن التفاعلات الأقل أكثر إشباعا.
الدراسات العلمية تدعم هذه التوصيات
لم تكن إرشادات اللياقة الاجتماعية التي توصلت إليها كاسلي كيلام مجرد نقطة بداية، فقد سبقتها أبحاثها التي ركزت على دراسة عادات الأشخاص الأصحاء اجتماعيا وعدد المرات التي يتواصلون فيها مع الآخرين ومدى عمق علاقاتهم، وهي مستقاة من أبحاث علمية حول كمية التفاعل الاجتماعي الذي يحتاجه الفرد لتحقيق الرفاهية وتعزيز الصحة العقلية والعاطفية والجسدية.
وعلى مر السنين، نجح علماء الاجتماع في إيجاد رابط بين العلاقات الاجتماعية والنتائج الصحية، إذ تشير الدراسات إلى أن العلاقات الاجتماعية تزيد من احتمال البقاء على قيد الحياة بنسبة 50%، وأن الأشخاص الذين يعانون من ضعف التفاعلات الاجتماعية هم أكثر عرضة للوفاة في سن أبكر من أولئك الذين يحرصون على التواصل الاجتماعي، وربط الباحثون بين ضعف الصحة الاجتماعية وبعض المشكلات الصحية مثل النوبات القلبية وضغط الدم المرتفع وزيادة مستويات التوتر وضعف الجهاز المناعي والقلق والاكتئاب.
وفي واحدة من أطول الدراسات التي تناولت موضوع “السعادة”، توصلت جامعة هارفارد إلى وجود علاقة ارتباطية قوية بين السعادة والتواصل الاجتماعي، وفي الدراسة تتبع الباحثون حياة 724 رجلا منذ أن كانوا في سن المراهقة عام 1938 (ما زال يعيش منهم عدد قليل)، وكانت النتيجة الأكثر ثباتا واتساقا على مدار 85 عاما هي أن العلاقات الإيجابية تجعل الناس أكثر سعادة وتساعدهم على العيش لفترة أطول مقارنة بعوامل أخرى مثل الشهرة والمال والجينات الوراثية.
نصائح عملية لتطبيق قاعدة 5-3-1
ينقل موقع “فاير لاند” بعض النصائح التي تساعدك على التفاعل الاجتماعي الهادف ومنها:
- ينبغي تحسين مهاراتك في الاتصال من خلال ممارسة الاستماع النشط والحفاظ على التواصل الفعال والاتصال البصري الجيد مع الآخرين وإظهار الاهتمام عند تبادل الحديث من خلال الإشارات اللفظية وغير اللفظية وتقديم الملاحظات عندما يكون ذلك مناسبا.
- قد يستغرق تلبية إرشادات اللياقة الاجتماعية بعض الوقت، ويمكنك جعل الأمر سهلا من خلال إعداد قائمة بالعادات التي ترغب في دمجها في حياتك اليومية وممارستها مثل جدولة لقاءات أو مكالمات منتظمة مع الأصدقاء والعائلة والانضمام إلى مجموعات والمشاركة في الأحداث المحلية لتوسيع دائرتك الاجتماعية.