طهران – أرجأت الحكومة الإيرانية مؤخرًا تطبيق تسعيرة جديدة للبنزين، في خطوة تهدف إلى السيطرة على الطلب المتزايد والحد من التهريب، وذلك قبل ساعات من الموعد المحدد للدخول حيز التنفيذ. وقد أثار هذا التأجيل تساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراءه والمخاوف التي دفعت السلطات إلى اتخاذ هذا القرار، خاصةً مع الأخذ في الاعتبار التجارب السابقة وتأثيرها على الشارع الإيراني.
يأتي هذا الإجراء بعد مرور ست سنوات على آخر تعديل لأسعار الوقود في عام 2019، والذي أدى إلى اندلاع احتجاجات واسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد. وتعتبر هذه الخطوة بمثابة اختبار جديد للحكومة الإيرانية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهها المواطن.
تسعيرة البنزين الجديدة وتداعياتها الاقتصادية
في البداية، بررت السلطات المعنية رفع أسعار البنزين بضرورة “توجيه الدعم للفئات المستحقة” وتحقيق العدالة في توزيع الموارد. ومع ذلك، صرحت المتحدثة باسم الحكومة، فاطمة مهاجران، بأن سبب التأجيل يعود إلى عدم اكتمال الإجراءات اللازمة لتنفيذ الخطة بشكل سلس. يرى مراقبون أن هذا التأجيل يعكس قلقًا حقيقيًا من التداعيات المحتملة على الوضع المعيشي للمواطنين، خاصةً في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.
وتشير التقارير إلى أن معدل التضخم في إيران قد وصل إلى 40% وفقًا لوزير الاقتصاد علي مدني زاده. وفي هذا السياق، وجّه 180 من علماء الاقتصاد وأساتذة الجامعات والسياسيين والناشطين رسالة مفتوحة إلى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، مطالبين بتحقيق “العدالة والشفافية” في موازنة الدولة كشرط أساسي لتجاوز “الظروف الصعبة” الحالية. كما طالبوا بتصميم “شبكة أمان اجتماعي” قوية لحماية الفئات الأكثر ضعفًا من تأثيرات الإصلاحات الاقتصادية.
مطالب النخب الإيرانية لتحقيق الاستقرار
وشدد الموقعون على الرسالة، الذين يضمون وزراء ودبلوماسيين سابقين، على ضرورة أن يكون أي إصلاح اقتصادي، بما في ذلك تعديل أسعار الوقود والسلع الأساسية، مصحوبًا بتوازن حقيقي في موازنة الدولة. كما دعوا إلى مراجعة موازنات المؤسسات التي لا تقدم مبررًا واضحًا لاستفادتها من المال العام، وتحويل خزينة الدولة إلى “غرفة زجاجية” تتيح للمواطنين الاطلاع على جميع التدفقات المالية.
ويرى الباحث السياسي يوسف آكنده أن هذه الرسالة وغيرها من النصائح المقدمة للنخب الإيرانية تأتي كرد فعل على خطط رفع أسعار الوقود والإصلاحات الاقتصادية الأخرى التي تثقل كاهل المواطن. ويحذر من أن هذه السياسات قد تؤدي إلى إشعال فتيل الاحتجاجات في الشارع الإيراني.
ويعتقد آكنده أن السبب الرئيسي وراء تأجيل الحكومة الإيرانية لتطبيق التسعيرة الجديدة للبنزين هو الخوف من موجات تضخمية واضطرابات اجتماعية في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة. ويوضح أن زيادة أسعار البنزين قد تخفف الضغط على الموازنة العامة على المدى القصير، إلا أن تداعياتها السلبية قد تفوق فوائدها، خاصةً إذا لم يتم اتخاذ إجراءات موازية لمعالجة الأسباب الجذرية للمشكلة.
مخاوف اجتماعية من ارتفاع أسعار الوقود
وفي الوقت نفسه، يعبر المواطنون الإيرانيون عن قلقهم المتزايد بشأن ارتفاع الأسعار وتدهور القوة الشرائية. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن العديد من الأسر تعاني من صعوبة في تلبية احتياجاتها الأساسية، وأن أي زيادة إضافية في الأسعار قد تدفعهم إلى حافة الفقر. وقد أدى مجرد الحديث عن رفع أسعار البنزين إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والخدمات الأخرى، مما زاد من معاناة المواطنين.
مرجان (64 عامًا)، وهي متقاعدة، تقول إنها تجد صعوبة بالغة في التسوق بسبب ارتفاع الأسعار. وتضيف أن المبلغ الذي كانت تنفقه على الرز في السابق لم يعد يكفي لشراء ثلث الكمية نفسها. وتشير إلى أن الأرقام الرسمية للتضخم لا تعكس الواقع الحقيقي، وأن الأسعار قد تضاعفت عدة مرات في الأشهر الأخيرة.
محمد (26 عامًا)، وهو طالب دراسات عليا، يرى أن رفع أسعار الوقود أمر ضروري للحد من الاستهلاك، ولكنه يعارض تحميل المواطنين عبء هذه الإصلاحات دون توفير دعم كافٍ للفئات محدودة الدخل. ويؤكد أن التجارب السابقة أثبتت أن رفع أسعار الوقود يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأخرى، مما يزيد من معاناة المواطنين.
تحديات هيكلية وأزمة ثقة
ويرجع عالم الاقتصاد علي محمدي العلاقة بين رفع أسعار الوقود وارتفاع الأسعار إلى “تجاهل الظروف الهيكلية للاقتصاد الإيراني”، بما في ذلك عجز الميزانية والتضخم والعقوبات الغربية. ويقترح أن يتم ربط التسعير بالكلفة المحلية للإنتاج، مع تنفيذ إصلاحات هيكلية موازية لمعالجة الأسباب الجذرية للمشكلة.
ويشترط محمدي لنجاح خطة رفع أسعار البنزين تحديث قوانين الطاقة لمنع التهريب، ومعالجة الخسائر المتراكمة في المصافي النفطية، وتطوير النقل العام. ويؤكد أن أي خطة لتعديل أسعار الوقود يجب أن تكون جزءًا من حل شامل يركز على تحقيق الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية.
من المتوقع أن تعود الحكومة الإيرانية لمناقشة ملف تسعيرة البنزين في الأشهر القادمة، مع الأخذ في الاعتبار المخاوف التي أثارها التأجيل الأخير. ويجب على الحكومة أن تسعى إلى تحقيق التوازن بين الحاجة إلى إصلاح النظام الاقتصادي وتجنب إثارة المزيد من الاضطرابات الاجتماعية. وسيكون من الضروري بناء الثقة مع المواطنين من خلال الشفافية والعدالة في توزيع الموارد وتقديم الدعم اللازم للفئات الأكثر ضعفًا.













