شهدت حركة الهجرة العمالية إلى الدول الغنية انخفاضًا ملحوظًا خلال العام الماضي، حيث تراجعت بأكثر من الخمس. يعزى هذا التراجع إلى عوامل متعددة، بما في ذلك تباطؤ أسواق العمل وتشديد بعض الدول، مثل أستراليا والمملكة المتحدة، لقواعد إصدار التأشيرات. وتشير أحدث الأبحاث الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) إلى هذه التحولات في أنماط الهجرة.
أظهرت بيانات المنظمة، التي تضم 38 اقتصادًا، أن انخفاض الهجرة المرتبطة بالعمل قد بدأ قبل التغييرات المحتملة في السياسات الأمريكية مع عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. ويُضاف هذا الانخفاض إلى سلسلة من التحديات التي تواجه أسواق العمل العالمية.
لماذا تتراجع الهجرة العمالية؟
يؤكد جان كريستوف دومون، رئيس قسم الهجرة الدولية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن التراجع يعود إلى وضع اقتصادي عالمي أقل جاذبية. وقد خفض صندوق النقد الدولي مؤخرًا توقعاته للنمو العالمي لعام 2025، مشيرًا إلى تأثير الحروب التجارية كعامل مقيد.
بالإضافة إلى ذلك، قامت دول مثل كندا وأستراليا والمملكة المتحدة بتشديد سياسات التأشيرات الخاصة بها خلال العامين الماضيين. ويأتي هذا التشديد نتيجة لمخاوف تتعلق بالاحتيال في الهجرة والضغوط المتزايدة على أسواق الإسكان المحلية.
ومع ذلك، فإن الوضع أكثر تعقيدًا من مجرد التباطؤ الاقتصادي والسياسات الأكثر صرامة. فقد ساهم تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين الأوكرانيين إلى أوروبا، الذين حصلوا على الحماية المؤقتة، في تخفيف النقص في العمالة في بعض القطاعات، وبالتالي قلل من الطلب على العمال المهاجرين.
تشير البيانات إلى أن حوالي 5.1 مليون أوكراني فروا من بلادهم بعد بدء الحرب في عام 2022 يعيشون حاليًا في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، اعتبارًا من يونيو 2025.
تغيرات في أنواع الهجرة الأخرى
لم تقتصر التغيرات على الهجرة العمالية فقط. فقد سجلت أعداد الطلاب الدوليين الجدد انخفاضًا بنسبة 13% في عام 2024، وذلك في أعقاب تشديد سياسات التأشيرات في دول مثل بريطانيا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا. وتركز المخاوف الأساسية حول هذه الدول على منع الاحتيال وضمان استقرار أسواق الإسكان.
في المقابل، استمرت الهجرة لأسباب إنسانية في الارتفاع. فقد شهدت الولايات المتحدة زيادة حادة في طلبات اللجوء، خاصة في الأشهر الأخيرة من إدارة الرئيس بايدن. كما شهدت بريطانيا ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد الوافدين غير النظاميين الذين وصلوا عبر القنال الإنجليزي.
وعلى الرغم من هذه الزيادات في الهجرة الإنسانية، إلا أن إجمالي الهجرة الدائمة إلى الاقتصادات المتقدمة شهد انخفاضًا طفيفًا بنسبة 4% في عام 2024، مقارنة بالعام السابق.
تأثير الهجرة على الوظائف
على الرغم من الانخفاض العام، لا يزال المهاجرون يمثلون قوة عاملة مهمة في العديد من الدول. ووفقًا لدراسة أجرتها غولدمان ساكس، ساهمت الهجرة في معظم مكاسب التوظيف في كندا ونيوزيلندا والسويد وألمانيا والمملكة المتحدة في عام 2023. كما أضافت الهجرة أكثر من 4 ملايين وظيفة جديدة في الولايات المتحدة.
وفي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، بلغ معدل التوظيف بين العمال المولودين في الخارج حوالي 76%، وهو ما يتجاوز المعدل المسجل بين المواطنين المحليين. ويعزى ذلك إلى برامج التأشيرات التي تستهدف الوظائف التي تتطلب مهارات عالية والطلب على العمال في بعض القطاعات.
ماذا يحمل المستقبل؟
تشير التوقعات إلى أن الهجرة الإجمالية إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد تستقر أو تنخفض بشكل طفيف في عام 2025. ومع ذلك، من المرجح أن تظل عند مستويات مرتفعة تاريخيًا، حتى في ظل السياسات الأمريكية الأكثر صرامة. من المهم مراقبة التطورات في السياسات الانتخابية، خاصةً في أوروبا والولايات المتحدة، حيث من المتوقع أن تبقى الهجرة موضوعًا رئيسيًا.
وتؤكد فابيولا ميريس، كبيرة أخصائيي الهجرة في منظمة العمل الدولية، على ضرورة إعادة النظر في قضايا نقص العمالة في قطاعات معينة مثل الزراعة والبناء والرعاية الصحية. وتشير إلى أن تحسين الأجور وظروف العمل يمكن أن يشجع العمال المحليين على شغل هذه الوظائف ويقلل الاعتماد على العمالة المهاجرة.













