على الرغم من وجود توافق إقليمي ودولي على ضرورة دمج قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في مؤسسات الدولة السورية، إلا أن هذا الملف لا يزال يشهد تعثراً ملحوظاً. وتتراوح الأسباب بين تباين المواقف بين تركيا ودمشق، وبين رؤى قيادة قسد نفسها، مما يعيق تحقيق الاستقرار المنشود في شمال سوريا.
ويعتبر ملف دمج قسد من القضايا المعقدة التي تتطلب معالجة دقيقة للتحديات السياسية والعسكرية والأمنية. وتشمل هذه التحديات قضايا تتعلق بالسيادة السورية، وهيكلة القوات المسلحة، ومستقبل الإدارة في المناطق التي تسيطر عليها قسد، في ظل محاولات الدولة لاستعادة سلطتها بعد سنوات من الصراع.
دمج كامل لقسد: العقبات والتحديات
يشير المحللون إلى أن التعثر لا يقتصر على غياب الاتفاقات، بل يعود إلى خلافات جوهرية حول كيفية تطبيق هذا الدمج. وتدفع تركيا باتجاه دمج كامل لقوات قسد ضمن الجيش السوري، مع رفض أي كيان عسكري مستقل أو ما تعتبره “جيشاً داخل الجيش”.
وتؤكد أنقرة على ضرورة أن تتمكن الحكومة السورية والقوات المسلحة من العمل في جميع أنحاء البلاد دون استثناء، وأن لا تكون هناك مناطق محظورة أو تتمتع بحكم ذاتي مسلح. كما تشدد على رفض أي تقسيم جغرافي أو صِيغ حكم ذاتي قد تؤدي إلى تقويض وحدة الأراضي السورية.
الموقف السوري من عملية الدمج
في المقابل، تتبنى دمشق مقاربة مختلفة، مع التركيز على دمج العناصر بشكل فردي وليس ككتلة واحدة. وتشير إلى أنها لا تمانع في عودة مقاتلي قسد إلى المجتمع، ولكن بشرط تسليم أسلحتهم والانخراط في المؤسسات الرسمية للدولة.
وتعتبر الحكومة السورية أن الحفاظ على كيان مستقل لقسد أمر غير مقبول، وأن أي تشكيل عسكري أو تنظيمي يحمل هذا الاسم يجب أن يتفكك. وتؤكد على أن الجيش السوري هو المسؤول الوحيد عن حماية البلاد، وأن لا تكون هناك قوات موازية له.
الاعتبارات السياسية والأمنية
بالإضافة إلى الخلافات حول الهيكلية العسكرية، هناك اعتبارات سياسية وأمنية معقدة تؤثر على عملية دمج قسد. وتشمل هذه الاعتبارات قضايا تتعلق بتقاسم السلطة، وحقوق الأكراد، ومكافحة الإرهاب، ومستقبل المنطقة بشكل عام.
ويرى مراقبون أن الدور الأميركي في هذا الملف لا يزال غامضاً، وأن واشنطن تسعى إلى تحقيق توازن بين مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة. وتخشى الولايات المتحدة من أن يؤدي الاندفاع نحو الدمج إلى إضعاف قسد، مما قد يعيق جهود مكافحة تنظيم داعش.
وتشير التقارير إلى أن الولايات المتحدة تدفع نحو حل سياسي شامل في سوريا، يشمل جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك قسد. وتعتبر أن هذا الحل هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار الدائم في البلاد.
التحديات المستمرة ومستقبل قسد
لا يزال التمسك بالوضع القائم من قبل قسد يمثل تحدياً كبيراً أمام تحقيق الدمج المنشود. وتصر قسد على الإبقاء على وحداتها العسكرية والأمنية، وعلى الحفاظ على شكل من أشكال الحكم الذاتي في المناطق التي تسيطر عليها.
ويعزو مراقبون هذا التمسك إلى مخاوف قسد من أن يتم تهميشها أو استهدافها في حال اندماجها الكامل في المؤسسات السورية. كما يشيرون إلى أن قسد تحظى بدعم من بعض القوى الإقليمية والدولية، التي تسعى إلى الحفاظ على نفوذها في سوريا.
وتشير بعض المصادر إلى أن هناك مفاوضات جارية بين قسد والحكومة السورية، برعاية روسية وأميركية، بهدف التوصل إلى اتفاق بشأن عملية الدمج. ولكن حتى الآن، لم يتم تحقيق أي تقدم ملموس في هذه المفاوضات.
من المتوقع أن يستمر ملف دمج قسد في إثارة الجدل والتحديات في الفترة المقبلة. ويتوقف مستقبل هذا الملف على التطورات السياسية والميدانية في سوريا، وعلى قدرة الأطراف المعنية على التوصل إلى حلول توافقية تلبي مصالح الجميع. وستظل هذه القضية نقطة محورية في المشهد السوري، وستؤثر بشكل كبير على مسار الأزمة ومستقبل البلاد.













