في مواسم الأعياد حول العالم، يشهد الإحساس بالامتنان تصاعداً ملحوظاً، مع تباطؤ وتيرة الحياة السريع لإفساح المجال لقيم العطاء والتطوع. وتشير الدراسات إلى أن هذا الميل إلى الكرم ليس مجرد تقليد موسمي عابر، بل هو جزء أساسي من الطبيعة الإنسانية، وأن المشاركة في الأعمال الخيرية تعزز الروابط الاجتماعية بين الأفراد والمجتمعات. هذا المقال يستكشف دوافع التطوع وأثره، خاصة خلال فترات الأعياد.
يزداد اهتمام الناس بالأعمال الخيرية في هذه الفترة، سواء من خلال التبرعات المالية، أو تقديم المساعدة المباشرة للمحتاجين، أو تخصيص الوقت للتطوع في المؤسسات الخيرية. وتفسّر الدراسات النفسية والاجتماعية هذه الظاهرة على أنها تعبير عن شعور عميق بالانتماء والمسؤولية الاجتماعية، ورغبة في رد الجميل للمجتمع.
لماذا نزيد من التطوع في الأعياد؟
تشرح أستاذة علم النفس في جامعة “بايلور” سارة شنايتكر، أن الامتنان يلعب دوراً محورياً في تحفيز السلوك الإيجابي، موضحة أن “شعورنا بالامتنان لما نملكه يدفعنا بشكل طبيعي إلى مساعدة الآخرين، سواء كانوا قد ساعدونا في الماضي أو أشخاصاً جدد”. وتضيف شنايتكر، “هناك علاقة وثيقة بين الامتنان والسخاء، وغالباً ما تزداد قوة هذه العلاقة خلال مواسم الأعياد.”
وتشير عالمة علم النفس التنموي في جامعة فيرجينيا، إمريشا فايش، أن هذه الظاهرة ليست حكراً على ثقافة معينة، بل تتجلى في معظم المجتمعات حول العالم، حيث “تتيح الاحتفالات والمناسبات العامة للناس فرصة للتعبير عن امتنانهم”. وهذا يعكس، وفقاً لفايش، الدافع الأساسي نحو التعاون الذي ساهم في بقاء الجنس البشري عبر التاريخ.
دور الثقافة في تعزيز العطاء
في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يعتبر الموسم الممتد بين عيد الشكر ورأس السنة الفترة الأكثر نشاطاً في مجال التطوع. لكن هذه الثقافة ليست غربية حصراً. ففي العديد من الدول العربية والإسلامية، يزداد التطوع خلال شهر رمضان، وعيد الأضحى، وغيرها من المناسبات الدينية والاجتماعية.
التطوع وبناء الروابط الاجتماعية
لا يقتصر أثر التطوع على المستفيدين من المساعدة فحسب، بل يمتد ليشمل المتطوعين أنفسهم. فالمشاركة في الأعمال الخيرية تخلق شعوراً بالانتماء والمسؤولية الاجتماعية، وتعزز الروابط بين الأفراد والمجتمعات.
ويؤكد ألفريد ديل غروسو، المتطوع الأسبوعي في بنك الطعام، أنه يشعر “بارتباط أقوى بالمجتمع ككل من خلال عمله التطوعي”. كما يلفت إلى أن التطوع يوفر فرصة “للقاء أشخاص جدد وتبادل الخبرات والمعرفة”.
وفي أووسو بولاية ميشيغان، بدأت ميا ثيلن، وهي ممرضة متقاعدة، بالتطوع مع الصليب الأحمر الأميركي، وتشير إلى أن التطوع يوفر لها “شعوراً بالهدف والمعنى في الحياة”، ويساعدها على “اكتساب مهارات جديدة والبقاء على اتصال مع المجتمع”.
أثر العطاء على الصحة النفسية
تظهر الأبحاث أن التطوع يمكن أن يكون له فوائد جمة على الصحة النفسية، بما في ذلك تقليل مستويات التوتر والقلق، وزيادة الشعور بالسعادة والرضا عن الحياة. ويرجع ذلك إلى أن مساعدة الآخرين تنشط مناطق معينة في الدماغ ترتبط بالمشاعر الإيجابية، وتطلق هرمونات مثل الدوبامين والأوكسيتوسين التي تعزز الشعور بالرفاهية.
وتنصح لارا أكنن، أستاذة علم النفس الاجتماعي في جامعة “سايمون فريزر”، باستغلال موسم الأعياد كفرصة “لإعادة التواصل مع الأصدقاء والعائلة، وتقديم المساعدة للمحتاجين”، مشيرة إلى أن “الأفعال الصغيرة يمكن أن تحدث فرقاً كبيراً في حياة الآخرين”.
مع انتهاء موسم الأعياد، من المتوقع أن يستمر الاهتمام بالأعمال الخيرية والتطوع، مع استمرار المؤسسات الخيرية في جهودها لتقديم المساعدة للمحتاجين. ومع ذلك، يبقى التحدي قائماً في الحفاظ على هذا الزخم وتوسيع قاعدة المتطوعين على مدار العام. سيكون من المهم مراقبة تأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية على مستويات التطوع، وتقييم فعالية البرامج والمبادرات الخيرية المختلفة.













