أصبح تفقد الهواتف الذكية سلوكًا شبه لا إرادي للكثيرين، وفقًا لتقارير حديثة. ومع تزايد الاعتماد على هذه الأجهزة، يثير خبراء الصحة والتقنية مخاوف بشأن تأثير هذا السلوك المتكرر على القدرات المعرفية والرفاهية العامة. تشير الدراسات إلى أن الإفراط في استخدام الهاتف، وتحديدًا تفحصه أكثر من 110 مرة يوميًا، قد يرتبط بمخاطر صحية.
ففي عام 2022، كشف استطلاع أجرته مؤسسة غالوب عن قلق واسع النطاق بين 58% من الأمريكيين، الذين أعربوا عن شعورهم بالإفراط في استخدام هواتفهم. ومع ذلك، أظهرت بيانات حديثة صدرت مطلع عام 2025 أن متوسط عدد مرات تفقد الأمريكيين لهواتفهم ارتفع إلى 205 مرة يوميًا، مما يعكس اتجاهًا مقلقًا نحو زيادة الاعتماد على هذه الأجهزة.
السر وراء “نداء هاتفك”
يفسر الدكتور ماكسي هايتماير، الزميل الزائر بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، هذا السلوك المتكرر بالقول إننا في عالمنا المتصل بالإنترنت بشكل مفرط، اعتدنا على التحفيز المستمر. هذا الاعتياد يجعلنا نشعر بعدم الارتياح عندما لا نفعل شيئًا، حتى لو لبضع ثوانٍ فقط.
وتصف الدكتورة شيري ميلوماد، الأستاذة المساعدة في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، الهواتف الذكية بأنها “مهدئات الكبار”. فهي بارعة في تخفيف الانزعاج وجعلنا نستمد الراحة من وجودها الدائم والمألوف، مما قد يؤدي إلى إدمان الهاتف.
تأثيرات على الصحة النفسية والجسدية
تشير الأبحاث إلى أن التحقق المستمر من الهاتف لا يؤثر فقط على القدرات المعرفية، بل قد يؤدي أيضًا إلى الشعور بالذنب بسبب إهدار الوقت. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤثر سلبًا على الأداء الوظيفي، والعلاقات الاجتماعية، وجودة النوم.
وتزداد المخاطر بشكل خاص عندما يتم تفقد الهاتف أثناء المشي أو القيادة، مما يعرض السلامة الجسدية للخطر. كما أن الاعتماد على الهاتف قد يخلق حلقة مفرغة من القلق والتوتر، حيث يصبح المستخدمون أكثر قلقًا بشأن فقدان التحديثات أو الرسائل.
التبديل السريع بين المهام وتشتت الانتباه
أظهرت دراسة أجرتها جامعة سنغافورة أن تكرار فحص الهواتف الذكية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالقصور الإدراكي اليومي. فالتبديل السريع بين المهام، الذي يسببه فتح الهاتف باستمرار، يضعف القدرة على التركيز على مهمة واحدة فقط.
وقبل عقود، حذر عالم الحاسوب جيرالد م. واينبرغ من أن العمل على مهام متعددة والتبديل المتكرر بينها قد يقلل الإنتاجية بنسبة تصل إلى 80%. هذه العادة منتشرة على نطاق واسع، حيث وجدت شركة يوغوف أن أكثر من نصف الأمريكيين يتحققون من هواتفهم عدة مرات أثناء الأنشطة الاجتماعية.
التحرر من عادات استخدام الهاتف غير المفيدة
يؤكد الخبراء على أهمية الوعي بالاستخدام للهاتف الذكي والتحكم فيه. فقد وجد باحثون ألمان من جامعة هايدلبرغ أن فترات الراحة القصيرة من استخدام الهاتف يمكن أن تساعد في الحد من العادات السلبية.
وتقدم الدكتورة آنا ليمبكي بعض النصائح العملية للتخلص من هذه العادات، مثل إيقاف تشغيل الإشعارات وحذف التطبيقات غير الضرورية. كما توصي بترك الهاتف خلفنا من حين لآخر، لتذكير أنفسنا بأنه لا يزال بإمكاننا التنقل بدون هواتفنا.
وتشير الدكتورة كاثرينا شافنر إلى أن مجرد وجود الهاتف بالقرب منا، حتى لو لم يصدر صوتًا أو يضيء، يكفي لتشتيت انتباهنا وتحفيز رغبتنا في التحقق منه. لذلك، من الضروري إبعاد الهاتف عن الأنظار أثناء تناول الطعام، والنوم، والعمل، ومجالسة الأصدقاء.
وفي الختام، يظل مستقبل علاقتنا بالهواتف الذكية موضوعًا للبحث والنقاش المستمر. من المتوقع أن تظهر المزيد من الدراسات في السنوات القادمة، تسلط الضوء على الآثار طويلة المدى للإفراط في استخدام هذه الأجهزة. يجب على المستخدمين أن يكونوا على دراية بالمخاطر المحتملة واتخاذ خطوات استباقية للحد من تأثيرها السلبي على حياتهم.













