أثار إعلان الجيش الصيني عن تطوير طلاء جديد بتقنية مبتكرة، قادر على إخفاء الطائرات الحربية عن أنظمة الرادار، جدلاً واسعاً وتفاعلاً كبيراً على وسائل التواصل الاجتماعي. يُعد هذا الطلاء، المصنوع من “نبتة الليفة” ومواد مغناطيسية، خطوة متقدمة في مجال التخفي الجوي، ويُظهر قدرات صينية متنامية في هذا المجال الاستراتيجي. يهدف هذا الابتكار إلى تقليل البصمة الرادارية للطائرات بشكل كبير، مما يجعل اكتشافها أمراً صعباً للغاية.
وفقًا لبيانات الجيش الصيني، يمكن للطلاء الجديد أن يمتص ما يصل إلى 99.99% من الموجات الكهرومغناطيسية، مما يقلل من الإشارة المنعكسة من الطائرة حتى 700 مرة. هذا يعني أن طائرة ذات مقطع عرضي راداري كبير يمكن أن تبدو صغيرة جدًا، بحجم ذبابة أو حمامة، بالنسبة لأنظمة الرادار. وقد أثار هذا الإعلان تساؤلات حول مستقبل الحرب الجوية والتوازن الاستراتيجي العالمي.
الطلاء المبتكر: كيف يعمل؟
يعتمد هذا الابتكار الصيني على عملية معقدة تبدأ بتنظيف وتجفيف نبتة الليفة. ثم يتم تسخينها وتحويلها إلى كربون عالي الامتصاص للموجات الرادارية. بالإضافة إلى ذلك، يضاف إلى الخليط جسيمات من النيكل والكوبالت، وهي مواد مغناطيسية تعزز قدرة الامتصاص. بعد طحن المكونات وتحويلها إلى بودرة ناعمة، تُمزج مع الطلاء وتُطبق على سطح الطائرة.
يتميز هذا الطلاء الجديد بخفة وزنه ورقة طبقه، مما لا يؤثر على أداء الطائرة أو هيكلها. وهذا على عكس الطلاءات التقليدية المستخدمة في الطائرات الشبحية، والتي غالبًا ما تكون ثقيلة وتتطلب تعديلات كبيرة على تصميم الطائرة. يُعد خفض الوزن عاملاً حاسماً في تحسين كفاءة وحركة الطائرات العسكرية.
التأثير على الرادارات الحديثة
يُقال إن هذا الطلاء قادر على إخفاء الطائرات عن أكثر أنظمة الرادار تطوراً في العالم، بما في ذلك رادارات النطاق “كيه يو” والتي تستخدمها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو). تعمل هذه الرادارات بترددات عالية، مما يجعلها قادرة على اكتشاف الأهداف الصغيرة والمتخفية. لكن قدرة الطلاء الصيني على امتصاص الموجات الرادارية تجعل اكتشاف الطائرات المطلية به مهمة صعبة للغاية.
مقارنة مع التقنيات الحالية
تستخدم الولايات المتحدة بالفعل طلاءات التخفي، مثل طلاء “رام” على طائراتها الشبحية، ولكن هذه المواد تعتبر من بين أغلى المواد العسكرية في العالم. إعادة طلاء طائرة “إف 22” يمكن أن تكلف ملايين الدولارات. في المقابل، يتميز الطلاء الصيني المصنوع من الليفة برخص ثمنه وإمكانية إنتاجه بكميات كبيرة، مما يجعله خيارًا جذابًا للجيش الصيني.
تُعد المواد الشبحية (Stealth Materials) مجالًا تنافسيًا للبحث والتطوير، حيث تسعى الدول الكبرى إلى تطوير تقنيات جديدة لتقليل البصمة الرادارية لطائراتها العسكرية. هذا الابتكار الصيني يمثل تقدماً كبيراً في هذا المجال، ويظهر قدرة الصين على المنافسة مع الولايات المتحدة والدول الأخرى.
ومع ذلك، يرى بعض الخبراء أن فكرة استخدام المواد الطبيعية في الطلاءات الشبحية ليست جديدة تمامًا، وأن الولايات المتحدة قد قامت بأبحاث مماثلة في الماضي. لكن الفرق يكمن في التقدم الذي حققته الصين في تحويل هذه الفكرة إلى واقع عملي وقابل للتطبيق.
يعكس هذا التطور التركيز المتزايد للصين على الاستثمار في البحث والتطوير العسكري، ورغبتها في تطوير قدراتها العسكرية لتواكب التطورات العالمية. إن القدرات الصينية المتزايدة في مجال الطائرات المتخفية، والتي تشمل الطلاءات المبتكرة وأنظمة الاستشعار المتقدمة، تمثل تحديًا متزايدًا للولايات المتحدة وحلفائها.
الجدير بالذكر، أن التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي أظهر انقسامًا في الآراء، بين معجبين بالتفوق التقني الصيني ومتخوفين من التداعيات المحتملة على الاستقرار العالمي. يرى البعض أن هذا التقدم يمثل تهديدًا للتوازن الاستراتيجي، بينما يرى آخرون أنه مجرد دليل على قدرة الصين على الابتكار والتنافس في مجال التكنولوجيا العسكرية.
من المتوقع أن يستمر الجيش الصيني في تطوير هذا الطلاء المبتكر وتحسين أدائه، وأن يتم تطبيقه على مجموعة واسعة من الطائرات العسكرية. وستراقب الدول الأخرى عن كثب هذا التطور، وقد تسعى إلى تطوير تقنيات مماثلة لمواجهة التحدي الذي يمثله الطلاء الصيني. يظل السؤال مفتوحًا حول ما إذا كان هذا الابتكار سيغير قواعد اللعبة في الحرب الجوية، وما إذا كان سيؤدي إلى سباق تسلح جديد.













