انطلقت يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني الدورة الـ29 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والتي تعقد هذه المرة في باكو بأذربيجان، مع موضوع رئيس هو “التضامن من أجل عالم أخضر”.
ويهدف المؤتمر إلى جمع قادة العالم وخبراء المناخ للمناقشة والتفاوض حول الإجراءات اللازمة لمعالجة أزمة المناخ العالمية، وبشكل خاص تعزيز التعاون العالمي لتحقيق صفر انبعاثات للغازات الدفيئة بحلول عام 2050.
الغازات الدفيئة هي مركبات تنطلق في الغلاف الجوي للأرض وتساهم في الاحتباس الحراري عن طريق تأثير الصوبة الزجاجية، حيث تدخل أشعة الشمس للأرض ثم تمتصها الأخيرة وتنفثها للفضاء مرة أخرى، لكن بارتفاع نسبة الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي (ثاني أكسيد الكربون إلى جانب غازات أخرى مثل الميثان) ترتفع قدرة الغلاف الجوي على حبس جزء من تلك الأشعة ومنعه من الخروج، ما يتسبب في احترار الغلاف الجوي.
وقد حدد مختار باباييف، وزير البيئة والموارد الطبيعية في أذربيجان ورئيس مؤتمر الأطراف الـ29، أهدافه المتمثلة في “بناء الجسور بين الشمال والجنوب المتباعدين للحفاظ على 1.5 درجة مئوية في متناول اليد”.
أهداف مهمة
ويركز مؤتمر الأطراف الـ29 بحسب مؤسسة قيادة الاستدامة في جامعة كامبردج على عدة نقاط أساسية هذا العام، يأتي على رأسها تمويل المناخ، حيث من المقرر اعتماد “الهدف الكمي الجماعي الجديد”، وخلالها سيتم استبدال الالتزام السابق (100 مليار دولار سنويا لتمويل المناخ للدول النامية) ليصل إلى تريليون دولار سنويا.
في المقام الأول، سيكون هذا التمويل في شكل منح وتمويل ميسر. ومع ذلك، هناك مفاوضات ومناقشات جارية حول المبلغ الدقيق والمساهمين وأنواع المشاريع التي يجب تمويلها، والهدف النهائي هو ضمان أن يكون تمويل المناخ طموحا وقابلا للتنبؤ وكافٍ لتلبية احتياجات الدول النامية.
إلى جانب ذلك يأتي الهدف الثاني المهم للمؤتمر ليتمثل في تحديث “المساهمات المحددة وطنيا”، وهي التزامات تعهدت بها البلدان بموجب اتفاق باريس للحد من انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي وتكييف الجهود لمكافحة تغير المناخ.
وخلال هذه الالتزامات تحدد كل دولة أهدافها الخاصة وتحدد الإجراءات التي ستتخذها لتحقيق هذه الأهداف، ثم تتم مراجعة المساهمات كل 5 سنوات.
سياق علمي
لكن المؤتمر هذا العام يأتي في سياقين خطرين، الأول علمي، حيث يمثل عام 2024 تحديدا نقطة فارقة في تاريخ تطور التغير المناخي على كوكب الأرض، فقد أعلن الباحثون من خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي في نوفمبر/تشرين الثاني الحالي أنه من المؤكد تقريبا أن عام 2024 سيكون أكثر دفئا من عام 2023، وبالتالي سيكون العام التقويمي الأكثر دفئا على الإطلاق.
وعلاوة على ذلك، ونظرا لأن عام 2023 كان بالفعل أعلى بمقدار 1.48 درجة مئوية عن مستوى ما قبل الصناعة، فمن المؤكد تقريبا أيضا أن عام 2024 سيكون أعلى من هذا المستوى ليكون أول عام يتخطى حاجز ارتفاع متوسط قدره 1.5 درجة مئوية مقارنة بمتوسط ما قبل الصناعة في الفترة 1850-1900.
وينظر العلماء في هذا النطاق إلى الجهود السياسية لحل أزمة المناخ على أنها في المجمل “أبطأ بكثير” من تسارع التغيرات المناخية وأثرها، ويعتقد الكثيرون منهم أن الوقوف عند حاجز 1.5 درجة مئوية يعد أملا بعيد المنال لأننا بالفعل على الطريق لتخطي هذا الحاجز في وقت قريب، و2024 ليست إلا بداية الأمر.
إن ارتفاع متوسط درجات الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة أمر بالغ الأهمية لأنه يمثل عتبة حرجة في مناقشات تغير المناخ. ويعتبر العلماء وخبراء المناخ هذه النقطة بمثابة نقطة تحول يمكن بعدها أن تصبح تأثيرات تغير المناخ أكثر شدة ولا رجعة فيها.
ورغم أن 1.5 قد يبدو أنها لا تعني الكثير بالنسبة لمواطن عادي، فإنها ستؤثر بشدة في تقلب مناخنا، لأن فارقا صغيرا في متوسطات درجات الحرارة قادر على رفع شدة ومدة وطول المناخ المتطرف من موجات حر وجفاف وعواصف وهطول أمطار غزيرة وفيضانات.
ومع الذوبان المتسارع للصفائح والأنهار الجليدية، سيؤدي ذلك إلى ارتفاع مستويات سطح البحر، وبالتالي تعرض المجتمعات الساحلية لأخطار كبيرة.
كما يؤدي ذلك إلى إلحاق الضرر بالنظم البيئية مثل الشعاب المرجانية، وآثار سلبية على المحاصيل وإنتاج الغذاء، وزيادة المخاطر الصحية بسبب الإجهاد الحراري وانتشار الأمراض التي يسهلها تغير المناخ.
سياق سياسي
أما السياق الثاني فيعد سياسيا، حيث قالت صحيفة نيويورك تايمز قبل عدة أيام إن الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب يجهز للانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ وللسماح بمزيد من أعمال التنقيب والتعدين في بلاده.
وجاء في تقرير للصحيفة، أنه من المتوقع أيضا أن ينهي ترامب الوقف المؤقت المفروض على تراخيص إنشاء محطات جديدة لتصدير الغاز الطبيعي، وأن يلغي الإعفاء الذي يسمح لولاية كاليفورنيا وولايات أخرى بتطبيق معايير أكثر صرامة لمكافحة التلوث.
وقد تبنى ترمب رؤية تقول إن تغير المناخ خاطئ، ولو كان يحدث فإن النشاط البشري لا علاقة له به، وأنكر الرجل أو قلل من أهمية هذه القضية، أو جادل ضد حقيقة وتأثيرات تغير المناخ حتى قبل أن تبدأ حملته الانتخابية السابقة، ووصفه “بالعلم الزائف” و”الخدعة باهظة الثمن” التي تستنزف أموال بلاده.
فمثلا في عام 2015، صرح قائلا: “أنا لا أؤمن بالاحتباس الحراري العالمي، ولا أؤمن بأنه من صنع الإنسان”. وبعد نشر تقرير للجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ يوضح التأثير المدمر الذي سيحدثه على الاقتصاد الأميركي، قال ترمب إنه قرأه لكنه لم يصدقه.
وفي مارس/آذار 2017، حظرت وزارة الطاقة على أعضاء هيئة التدريس استخدام عبارة “تغير المناخ” أو “اتفاقية باريس” في أيّ من اتصالاتهم، وحذفت لغة تغير المناخ من التقارير، مثل تقرير هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، الذي ربط ارتفاع مستوى سطح البحر بتغير المناخ.
انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس له تأثيرات مهمة على الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي:
- التأثير المالي: من المفترض أن تلعب الولايات المتحدة دورا كبيرا في تمويل الجهود المناخية، بما في ذلك المساهمات في مساعدة الدول النامية على التكيف مع آثار التغير المناخي، ودعم البحث العلمي في هذا النطاق، وانسحابها يؤثرعلى توفر الموارد، ما قد يحد من قدرة الدول على تنفيذ التزاماتها المناخية.
- التأثير المعنوي والسياسي: انسحاب دولة كبيرة مثل الولايات المتحدة يضعف من الزخم الدولي لدعم الاتفاقية، ويشجع بعض الدول الأخرى على مراجعة أو تقليل التزاماتها المناخية، مما يقلل من التنسيق والتعاون الدولي.
- الالتزام بانبعاثات الكربون: الولايات المتحدة مسؤولة عن جزء كبير من انبعاثات الغازات الدفيئة عالميا، لذا كان انسحابها يعني تخفيض الجهود المبذولة لخفض الانبعاثات العالمية بشكل مؤثر، وبالتالي رفع نسب ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.